مرض التّفكير، أعراضه، علاجه و طرق الوقاية منه...!
تُرى هل أراني أُصبت بالمرض الفتّاك الّذي أخافه و أحذره ألا و هو مرض "التّفكير"...؟!
قبل أن تبدأ أعراضه في الظّهور عليّ، كنت هانئا راضيا قانعا بل سعيدا و فرحا بنفسي و بالدّنيا...كنت أرى الحياة بألوان زاهية مبهجة، كان يملأني الأمل...و الآن...
من أشدّ الأمراض و الأوبئة الّتي يخشى النّاس عموما انتشارها و انتقال عدواها بينهم هو "التّفكير"، لذا يحذره النّاس ( بما فيهم أنا شخصيّا) و يخافونه و خاصّة فئات محدّدة منهم أهمّها/ السّاسة و المشايخ و الحكّام و الأثرياء و أصحاب المصالح و غيرهم كثير.....
ولذلك نراهم منذ فجر التّاريخ يحاربونه بكلّ الوسائل المتاحة و يفعلون كلّ ما في وسعهم لتشخيص الحالات المصابة و حصرها لمتابعتها بعلاجات مكثّفة و أدوية مضادّة قويّة و ربّما تصل الإجراءات في محاربته حدّ عزل المصابين عن المجتمع أو حتّى تصفيتهم تجنّبا لانتقال العدوى إلى الآخرين... و لمرض التّفكير ككلّ الأمراض الأخرى أعراض تخصّه لم تتغيّر منذ إنسان الكهوف الأوّل و هي :
- هذيان التّساؤلات و حمّى التّذمّر الملازمتان للمريض بحيث تراه فريسة دائمة لهما لا يهدأ و لا يقنع بما يراه و يسمعه ولا بما ورثه و تربّى عليه، لا يرضى و لا يكتفي بالتّعليلات و التّفسيرات و الآراء المتاحة، المتوفّرة و الموروثة، كلّ مسألة معلّبة أو قضيّة تأتيه جاهزة أو قصّة محبوكة أو موقف أو حالة تعترضه، يجد في نفسه ميلا لتفكيكها و تحليلها و تنتابه إزاءها حالة من التّشكيك و عدم الثّقة قبل أن يفهمها و تتناسب مع مسلّماته العقليّة، في الوقت نفسه تستحوذه هلوسات التّذمّر من نفسه و من كلّ شيء حوله.
- إفرازات هرمونات الرّضى غير كافية لقبول واقع الحال و بما هو كائن، بالإضافة إلى نقص واضح لأنزيم قابليّة الإرضاء، فضلا عن ذلك فلديه ممانعة مستدامة لأغلب وسائل و أساليب الإقناع بما يرجع إليه و يعتمد عليه النّاس من مفاهيم و مبادئ و مسلّمات و قوانين...
- كثير الشّكوى من محيطه و النّاس و أحوالهم ومن الحياة...لا يهدأ له بال و لا يعجبه شيء، حالات الحزن و الكآبة و الشّرود غالبة على مزاجه.
- لا يعبأ كثيرا بقائمة المحظورات و الممنوعات المبرمج عليها منذ الولادة.
- يتوهّم أنّه يفهم و يرى أشياء لا يفهمها و لا يراها الآخرون من عموم النّاس.
- لا يثق إلاّ في مصادره الشّخصيّة و طرقه و أساليبه في بحثه عن حقيقة الحالات و القضايا الّتي أمامه فهو لا يصدّق إلاّ نصف ما يسمعه و يراه دون أن يكتفي أو يرضى.
- الأشياء عنده وليدة مسبّبات و علل موضوعيّة يمكن إدراكها و فهمها بالمعرفة العلميّة.
- لا يحبّذ الغموض و لا التّعليلات الغيبيّة، و لا يقرّ بقداسة الأشخاص و الأشياء و لا بكلّ مزاعم الآخرين عن قدراتهم و قواهم الخارقة.
- لا يعترف بالمعجزات التّي تزخر بها كتب التّاريخ و التّراث باستثناء المعجزات المتحقّقة بالطّرق العلميّة المعروفة.
- له مقاومة قويّة ضدّ تطعيمات التّسليم و القبول. - إنطوائيّ، ميّال للعزلة، طباعه و أطواره في نظر النّاس و عرفهم غريبة ناشزة.
و لمكافحة هذا المرض الخببيث و الوقاية منه فقد إتّخذ الحاكمون و المسيطرون و الأذكياء و القائمون على تسيير الموارد البشريّة و الإنسانيّة جملة من الإجراءات أهمّها :
- تطعيم الأطفال ضدّ المرض على فترات و دورات متعدّدة من دخولهم إلى المدرسة وحتّى طردهم منها أو تخرّجهم من جامعاتها.
- الاستعانة بأمصال وسائل الإعلام عن طريق التّعتيم الإعلامي و الدّعاية المضادّة.
- الالتزام بجرعات محسوبة من الشّعارات و المبادئ الشّعبويّة التّعبويّة.
- برامج مكثّفة تأهيليّة الهدف منها برمجة الإنسان على القبول بالشّيء و التّوليف بينه و بين نقيضه دون حصول تعارض أو تصادم بينهما.
- ومن أجل تحييد المرض و إضعاف انتشاره، لابدّ من حملات عدائيّة مستمرّة ضدّ العلم و العلماء و إجراءات موازية لتكريس الجهل و دعم و تقريب الجهلاء.
- وأد التّساؤلات الحاملة لبكتيريا و فيروسات مرض التّفكير في حفر عميقة و صبّ الجير فوقها قبل ردمها دون التّهاون أو التّخاذل في ملاحقة و اضطهاد المتسائلين المتكالبين أنّى وُجدوا.
- نشر و تشجيع ثقافة التّسليم و الرّضى.
- حقن العباد بحقن المحظورات و الممنوعات.
- دعم حربهم للمرض بحشو التّاريخ و الدّين بالخرافات و الغيبيات و قصص الوعيد و التّهديد.
- ربط مرض "التّفكير" بشعور دائم بالخطيئة و بوصمة التّجديف على الحاكم أو اللّه.
هذه المقالة الساخرة بقلم : باهي صالح