العرّاب
عدد المساهمات : 1569 تاريخ التسجيل : 27/11/2009
| موضوع: هل تريد أن تتعرف على الليبرالية الحقيقة , تفضل بالدخول الإثنين 30 نوفمبر - 22:28:06 | |
| هل تريد أن تتعرف على الليبرالية الحقيقة ؟
بعد
هيمنة " ثقافة الرأي الأوحد " في الحراك الاجتماعي والمعرفي ، وما نجم عنها من تعميق عطالة المجتمع الفكرية ، وتكريس المفاهيم الشمولية ( بمرجعيتها العقائدية الأصولية الإقصائية ) التي عجزت عن تجسير العلاقة مع " الآخر " واستنهاض طاقات المجتمع وآليات تعبيره المتعددة .
وبعد استفحال حالة الفكر التكفيري ، وتنامي المخاطر التي باتت تهدد المملكة العربية السعودية وأبناءها وثرواتها .
وبعد اتساع الهوة بين ( السلطة الدينية والمجتمع ) ، وارتهان الحراك الفكري السائد لأداء إقصائي، لم يستطع أن يعبر عن جوهر الحراك الاجتماعي ، أو أن يكون دافعا له باتجاه ابتداع أدوات التعبير والتغيير الممكنة .
وبعد هذا التخبط والتحريف والتزوير الذي بدأ واضحاً في الخطاب الديني لكي يبرأ نفسه من المنهج التكفيري ..
وبعد الهجمات الشرسه التي يتعرض إليها من يحاول أن يوضح للمجتمع أن هناك خلل كبيراً في الفكر الذي تربى عليه أبناء البلد والذي نشأ عنه ثقافة إستعلائية بغضية ...
وبعد
أن أهينت كرامة الإنسان رجالأ ونساءً بإسم الدين
وبعد تخبط القضاء
وبعد تخلف المناهج عن متطلبات العصر
وبعد أن صوردت حرية الفكر
وبعد أن تداخلت العادات والتقاليد بالدين
بعد هذا كله ... وغيرها من الامور ..
تبرز أهمية استنهاض " الحراك الليبرالي " في الساحة السعودية ، لكي يكون تعبيرا حرا عن احتياجات الحراك الاجتماعي ، ولإعادة الاعتبار لمفهوم " المواطنة " كعنصر أساسي من عناصر بناء الإنسان الحر القادر على ممارسة النقد ، والمشاركة في اتخاذ القرار ، والحوار مع الآخر ، ونبذ أشكال التكفير الفكري ، ورفض التمييز الطائفي والعرقي والمذهبي وإحترام حقوق الإنسان على كافة أشكالها وإعطاء المرأة السعودية حقوقها المسلوبه منها .
ومن هنا ...فإننا نعتقد أن بلورة وترسيخ وتطوير هذا النهج الليبرالي السعودي لا يمكن إنجازه عبر بوابة " المشاريع الإيديولوجية الجاهزة " أو ادعاء " امتلاك الحقيقة " أو " تكفير الآخرين " ، بل إنه يتم عبر تضافر الجهود ، والحوار مع شتى الأطياف الفكرية ، في سبيل دعم المسار الإصلاحي خصوصاً في ما يتعلق بالجانب الديني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي .
وعليه لابد لنا أن نوضح بعض النقاط التي تدور حول مفهوم الليبرالية بشكل عام و السعودية بشكل خاص وكل مايدور حولها ..
وقبل ان ندخل الى هذه النقاط ... دعونا في البداية نأخذ رسائل سريعة عن الليبرالية
................
.
رسائل ليبرالية
1 - الدعوة للتعددية والتسامح، وارساء قيم الاختلاف واحترام الآخر.
2- اشاعة ثقافة التعايش والحوار بين الاديان والثقافات.
3- ترسيخ العقلية النقدية الحوارية، وتجاوز العقلية السكونية المغلقة.
4- الاستيعاب النقدي للتراث والمعارف الحديثة.
5- تمثل روح العصر، والانفتاح على المكاسب الراهنة للعلوم، انطلاقا من: الحكمة ضالة المؤمن حيثما وجدها التقطها.
6- تطهير التدين من الكراهية والاكراهات.
7- تحرير فهم الدين من المقولات والافكار والمواقف التعصبية والعدوانية.
8- اكتشاف الاثر الايجابي للفهم العقلاني الانساني الجمالي للدين في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية.
9- تبني الرؤى والمفاهيم التي تهدف الى مواكبة العصر، وتعزز المصالحة بين المتدين والمحيط الذي يعيش فيه.
10- تجلية الابعاد العقلانية والاخلاقية والانسانية والجمالية والمعنوية السامية والمضيئة في الدين والتراث.
11- بناء مجتمع مدني تعددي تسود حياته قيم التسامح والعيش المشترك.
12- تعزيز ثقافة الحريات وحقوق الانسان، وكل ما يدعم كرامة الانسان.
13- السعي الى تجفيف المنابع التي ترسخ مفاهيم الاستبداد، وتعمل على تشويه وتدمير نفسية المواطن .
14- التثقيف على نفي الإكراه والكراهية في الدين، واشاعة العفو، والسلام, والعدل, والاحسان, والتراحم, والحوار، والحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن، والمحبة, والصبر، والمداراة, والصفح الجميل، والهجر الجميل، وغير ذلك من مقولات ومعاني اللين، واحترام الآخر .
15- تنوير وعي المواطن وتحذيره من الدعوات والمقولات التي ترسخ مفاهيم التعصب, والتحجر, والاحادية، والانغلاق، والعنف، ونفي الآخر.
16- تجذير المفاهيم والشعارات التي تمجد الحياة ، وتعمل على تحرير الناس من المقولات الداعية الى اعتبار الموت أسمى الاماني.
17- الحرص على حماية البيئة الطبيعية، والكشف عن عناصر الانسجام والتناسق بين الانسان ومحيطه.
18- العنف ليس طارئا في الحياة، وهو يهددنا ويلاحقنا حيثما كنا في بلادنا، والسلام هو سبيل الأمن الحياتي والعيش المشترك ، ولا نجاة للعالم الا بالتشبث بالوسائل السلمية لحل المنازعات، والتخلص من بواعث العنف والحروب، التي امست تفتك بالانسان ، وتبدد الكثير من مكاسبه ومنجزاته في الارض .
.
.................................................. ..........................................
الليبرالية من منظور إسلامي
الليبرالية مفهوم إنساني يعبر عن "وسيلة متغيرة" لتحقيق غاية ثابتة هي ضمان حرية الفرد والتطلع من ثم إلى إقامة نظام متكامل من العدل الاجتماعي الشامل، وهو مفهوم أو وسيلة من إبداعات العقل البشري المتطلع دوماً إلى تحقيق غاية عمارة الأرض كغاية كبرى .
بداية فلست مؤمناً يوماً ما بما يدعى "أسلمة" العلوم، سواء الطبيعية منها أم الإنسانية، والتي علت نبرتها في الخطاب الإسلامي المعاصر منذ أن غرد الخطاب الاخواني وحيداً في الساحة اعتباراً من نهاية ستينيات القرن الماضي، أما عدم إيماني بأسلمة العلوم فهو في الحقيقة نابع من أمرين: أولهما أن كافة العلوم الوضعية (تطبيقية/ فلسفية/ إنسانية) لا شيء يميزها أكثر من أنها إرث إنساني عام، يشترك في منفعته البشر كافة بصفتهم الآدمية فقط بعيداً عن توصيفاتهم الأخرى (دينية أو مذهبية أو عرقية أو أثنية) وبالتالي فحياتها وديمومتها تدور مع الآدمية وجوداً وعدماً، وثانيهما: أن الأديان السماوية كافة والإسلام على رأسها، جاءت بالقواعد الكلية (الغائية) الثابتة، أو الضرورات الكبرى بلغة الإمام الشاطبي، والتي لا تتغير (سلباً أو إيجابا / تحريماً أو تحليلا) بتغير الأزمان والأمكنة، بينما تركتء التفاصيل الجزئية المتغيرة المنصبة غالباً على الوسائل للناس لكي يكيفوها وفقاً لحاجاتهم ومصالحهم المتغيرة بالضرورة انطلاقاً من مسلمة "أنتم أعرف بشئون دنياكم" وما تناولته النصوص من تكييفٍ لبعض الأمور المتغيرة فهو لا يعدو أن يكون إجراءً مرحلياً يعبر بالضرورة عن حاجات العصر التي كُيِّفت أحكامها فيه من جهة، كما يدشن لشرعنة تطوير ذلك التكييف أو تعديله أو حتى تغييره بما يتوافق والمعاصرة الضاغطة من جهة أخرى، وبالتالي فإن "أسلمة" ما هو متغير ووسائلي لا يعتبر في حقيقته إلا تعدياً على الإسلام الذي ترك أمر تحديد الوسائل للمجتمع وفقاً لمستجدات ظروفه وتغير أحواله.
الليبرالية مفهوم إنساني يعبر عن "وسيلة متغيرة" لتحقيق غاية ثابتة هي ضمان حرية الفرد والتطلع من ثم إلى إقامة نظام متكامل من العدل الاجتماعي الشامل، وهو مفهوم أو وسيلة من إبداعات العقل البشري المتطلع دوماً إلى تحقيق غاية عمارة الأرض كغاية كبرى جاءت على رأس ما نزلت من أجله الديانات السماوية، والإسلام على رأس سنامها، وبالتالي فهذا المفهوم وفقاً لظروف نشأته وطبيعة دوره المنتظر منه كوسيلة متغيرة لاستشراف غاية ثابتة، لا يقبل الأسلمة حتما، إذ ما يكاد أن "يُحشر" داخل هذه الأسلمة المدعاة حتى يفقد دوره الإنساني، ويتحول من ثم إما إلى غاية، وهذا أمر غير ممكن، نسبة لكمال الغايات في الإسلام وإقفال الباب دون تعديلها - زيادة أو نقصاناً- اتفاقاً مع قوله تعالى (اليوم أكملت لكم دينكم) وإما إلى أيديولوجية تتوسل قهر الإنسان وارتهانه لمصلحة كهنوتية جاء الإسلام لمحوها من الوجود إنقاذاً لفردية الإنسان.
مع ذلك ومن باب تحرير موطن الخلاف انطلاقاً من الأسس والمفاهيم التي يؤمن بها المخالف، فإننا لا نرى مانعاً من إثارة الجدل حول ما يمكن أن نسميه تجاوزاً ولغرض التحليل ب "الليبرالية من منظور إسلامي" ولكننا بالتأكيد لن نناقش المفهوم تحت مسمى "الليبرالية الإسلامية" مثلما لا يقبل المفهوم نفسه أن يناقش تحت هذا المسمى.
ضمن هذا القيد الجوهري والمنهجي في نفس الوقت، دعونا نتساءل عن جوهر الليبرالية، بمعنى التساؤل عما ذا تبتغيه أو تنشده تحديدا، ثم نرى إن كان هذا الذي تبتغيه وتنشده يقع ضمن غايات الإسلام الأساسية، حتى يسعنا الجزم بعد ذلك بأن الليبرالية كوسيلة، لا تتعارض مع روح الإسلام وغاياته الأساسية، ولنتأكد تبعاً لذلك بأنها - أي الليبرالية - في بعدها الإنساني ليست إلا وسيلة من اختراع العقل البشري (العلمي) لإدارة الصراع سلمياً مع العقل الكهنوتي الاستبدادي.
الليبرالية تشير في أصلها اللاتيني إلى الحرية أو الفرد الحر، وهي مأخوذة من الجذر اللاتيني (Libralisim) ومن هنا فقد أكد عبدالله العروي على أن الليبرالية "تعتبر الحرية المبدأ والمنتهى، الباعث والهدف، الأصل والنتيجة في حياة الإنسان، وهي المنظومة الفكرية الوحيدة التي لا تطمح في شيء سوى وصف النشاط البشري الحر وشرح أوجهه والتعليق عليه، "مفهوم الحرية، عبدالله العروي، المركز الثقافي العربي 1993") وبغض النظر عن مراحل تشكل الليبرالية في محضنها الغربي وما ابتغته في كل مرحلة، وبغض النظر أيضا عن التجاوزات الأخلاقية التي رافقت بعض مراحلها "مرحلة الثورة الفرنسية مثلاً، ومثلها مرحلة الاستغلال الرأسمالي الغربي المتكئ على الليبرالية الاقتصادية" فإن جوهرها الأصيل هو الإنسان وحريته الفردية، في إطار التأكيد على أنه لا سلطان على العقل إلا للعقل وحده، لا سلطاناً كهنوتياً أو إقطاعياً أو استبدادياً أو دينياً أو مذهبياً، بمعنى ضرورة أن يظل الإنسان في المقام الأول حر الضمير، مالكاً لنفسه ولعقله ولحريته في التصرف والاعتقاد.
بناءً على ما استعرضناه من "جوهر الليبرالية" فإن السؤال الذي يقفز للذهن هنا هو: هل شدد الإسلام على مثل هذه الحقوق الفردية حتى يمكن الزعم بأن الليبرالية لا تختلف في جوهرها عما ابتغاه الإسلام؟ دعونا نُعوِّل هنا على النص المؤسس "نص القرآن الكريم" لنرى إن كان ثمة إمكانية للمقارنة، ففي مجال حرية الضمير أو حرية الاعتقاد نجد أن القرآن يقرر بأنه "لا إكراه في الدين" وأنه "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" و "إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا" أما في مجال المسئولية الفردية للإنسان وأنه لا كهنوت عليه مثلما لا وسائط بينه وبين خالقه، فقد أكد القرآن على أن كل إنسان سيلاقي ربه يوم القيامة وحيداً فريداً وذلك بقوله تعالى "وكلهم آتيه يوم القيامة فردا" وبقوله تعالى (يوم يفر المرء من أخيه، وأمه وأبيه، وصاحبته وبنيه، لكل امرئٍ منهم يومئذٍ شأن يغنيه) وفي مجال احترام عقائد الآخرين، أوصى القرآن النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقول لمعارضيه "لكم دينكم ولي دين" كما أوصى أتباعه بالتواصي بالبر والقسط مع من لا يشاركونهم دينهم بقول الله تعالى (لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم) وفي مجال نفي سلطان الكهنوت على العقل، نجد أن القرآن ذمًّ أولئك الذين يكتفون بتقليد أسلافهم بأن أخبرهم أن من يقلدونهم لن ينفعوهم يوم القيامة بقوله تعالى (إنا وجدنا آباءنا على أمة "طريقة" وإنا على آثارهم مهتدون) (وقالوا "أي يوم القيامة" إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا، ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعناً كبيرا).
إن جوهر الليبرالية يكمن في حماية فردية الإنسان ضد كل من يريد انتزاعها منه، سواءً أكان كهنوتاً دينياً أو أيديولوجية سياسية أو فكراً ماضويا، مثلما أن روح الإسلام هي الأخرى تكمن في تحرير فردية الإنسان أيضاً من أية سيطرة يمكن أن تمارس عليها، سواء أكانت سيطرة باسم الدين أم باسم الدنيا، وقد أكد القرآن ذلك بسياقه قصة الشيطان في ترائيه في جهنم لمن اتبعه في الدنيا بقول الله تعالى (وقال الشيطان لما قضي الأمر إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم "بمنقذكم" وما أنتم بمصرخي،، الخ) وهي قصة معبرة دالة لا تخص الشيطان الأكبر "إبليس" وحده بل إنها تمتد لتشمل كل شياطين الإنس ممن يحترفون السيطرة على عقول الناس، ويؤكد هذا المعنى قول الله تعالى (إذ تبرأ الذين اُتُبِعوا من الذين اتَّبعوا ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب، وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرأوا منا كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار) إنه منهج قرآني رائع ينشد تحرير الإنسان من قبضة الكهنوت بغض النظر عن الزي الذي يتلبسه أو النحلة التي يتوسلها لفرض كهنوته على العقول والألباب، وتأكيداً لهذا المنهج القرآني الفريد من نوعه، فقد ذهب كثيرٌ من تنويريي الإسلام من أمثال الإمام أبي محمد بن حزم الأندلسي إلى أنه "لا يجوز تقليد أئمة المذاهب الإسلامية" وأكدوا بالمقابل أنه "يجب حتى على العامي البسيط أن يجتهد لاستنباط ما خفي عليه من أحكام الدين".
إن موقف الإسلام من الإنسان كما استعرضنا آنفا، موقف تقدمي فريد من نوعه، ينشد تحقيق فرديته بتحريرها من أسر المكبلين لها وبترقيتها لتكون مسئولة عما تقترفه يداه - مما لا يتماس مع حريات أو حقوق الآخرين - لقد أحال الإسلام على مسئولية الإنسان الفردية أعظم موقف يتعرض له هذا الإنسان، ألا وهو موقفه بين يدي الله ليجازى بعمله، وهو موقف سيتبرأ منه كل من كان لهم وصاية عليه وكل من امتلكوا عقله وقسروه على اتباع دائرة تفسيرية ضيقة قوامها أقوال الرجال وتوهيماتهم، حينها سيسأل فقط عن فرديته كيف باعها رخيصة في سبيل انضمامه لجموع قطيع لا يجيد سوى التلقي السلبي البليد، بعد أن عشعش على عقله سياج الكهنوت الذي لا يرحم.
إن الموقف واضح هنا وضوح الشمس، وهو أن الليبرالية لا تعدو أن تكون وسيلة لتحقيق غاية كبرى شدد عليها الإسلام، وبالتالي فمن الطبيعي أن لا يتعارض معها، بل إنه يقف وإياها في خندق واحد قوامه محاربة التسلط الكهنوتي على فردية الإنسان بتربيته على الاعتماد على عقله ليكون هاديه ودليله.
يقال ان أحد كبار السن كان جالساً في مزرعته الصغيرة في إحدى قرى نجد، وكان أحد أولاده قد سافر إلى إحدى المدن البعيدة طلباً للدراسة، وقد سكن مع جمع من أقرانه في بيت شعبي في تلك المدينة، فحدث ذات يوم أن جاء أحد المرجفين إلى ذلك الوالد، فأخبره أن ابنه بات يأكل الفول ويشرب الدخان، وأن الأول منهما فيه كذا وكذا من مقترفات الذين حادوا عن الصراط المستقيم، فلم يهنأ الأب حتى قدم على ابنه في المدينة التي يدرس فيها وزاره في مسكنه مع أقرانه، وبعد أن رحب الابن بالأب قدم له وجبة دسمة من الفول أكلها الأب بكل لذة وتمتع، وبعد أن فرغ من وجبته أخذ ابنه إلى أحد جوانب البيت وبدأ بتوبيخه على شربه الدخان وأكله الفول، ولكنه استدرك قائلاً باللهجة النجدية المعروفة (هذا الدخان والشكوى لله بلوى وما حنا قايلين شيء، لكن الحكي هالفول اللي ما ني مرتاح حتى تتركه !!!!) وهو مثل دال يعبر عن مشكلتنا مع الليبرالية، فنحن للأسف لا نعرف من الليبرالية إلا بقدر ما نقل لنا منها من تحريفات مشوهة عنها على أيدي أناس لا يقل جهلهم بالليبرالية عن جهل ذلك الرجل النجدي بالفول، والذي انبرى يحذر ابنه منه بعد التهامه له.
الكاتب / يوسف ابا الخيل
.................................................
هل الليبرالية تتعارض مع الإسلام ..؟!
كنت سأكتب هذا الأسبوع عن تخبط قناة «العربية» بين الحياد الذي لا لون له ولا رائحة، والانحياز الغبي الذي يشي بمهنية متدنية واحترافية منقوصة، لكن برنامجاً تلفزيونياً عُرض قبل أيام جعلني أتراجع عن فكرة الكتابة عن قناة العربية، واستبدل بها مقالاً يكمل ما بدأته الأسبوع الماضي عن الليبرالية.
تناول البرنامج فتوى الشيخ الجليل الدكتور صالح الفوزان التي تعرضت لليبرالية وأهلها، والتي كان أهم ما جاء فيها من وجهة نظري قول الشيخ «إذا أريد بالليبرالية ما ذكرت (يقصد السائل)، فإن.... الخ»، كل المتحاورين في البرنامج بمن فيهم الذين شاركوا في استفتاء الشارع، تجاوزت أعمارهم الثلاثين أو الخامسة والعشرين على أدنى تقدير، وكل واحد منهم بلا استثناء كان يتبنى مفهوماً معيناً لليبرالية يختلف عما يتبناه الآخر، وكل واحد منهم بلا استثناء لا يريد أن يسمع الآخر! لذا فقد رأيت أنه لزاماً علي أن أكتب هذه المقالة لطلبة الصف الأول الابتدائي، مبيناً فيها رأيي من الليبرالية.
يا أطفالي الأعزاء ... يا جيل المستقبل كَثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن حقيقة الليبرالية، وهل هي متعارضة مع الشريعة الإسلامية أم مكملة لها، وهل هي تضاد الأخلاق الإسلامية، أم تسير معها في الطريق نفسه، هل هي مذهب دنيوي أم ديانة بديلة، هل هي ثابتة المرتكزات، مصمتة الجوانب، غير متغيرة باختلاف الزمان والمكان والديانات، أم هي نظام يستطيع أي مجتمع تطبيقه بالشروط التي تناسب طبيعته وتشكيلاته وتعقيداته؟
الليبرالية ليست ديناً جديداً، وإنما هي مجموعة مفاهيم تقيم الحق وتنشر العدل وتعلي كلمة الله التي استولت عليها الكنيسة في الغرب - بلد الليبرالية الأصلي، والفئات الضالة المكفرة، والأحزاب المحتكرة لكلمة الله في البلاد الإسلامية (لا يعني ورود جملة التحرر من الدين، في بعض تعريفات الليبرالية الغربية، فساد المبدأ الأساسي لليبرالية، بل هو تحرر من الدين الكنسي الذي كان يستعبد الناس باسم الرب، إذا ما أحسنا الظن في الليبرالية الغربية، وإلاّ فهو خلل واضح وعيب كبير فيها - أقصد الليبرالية الغربية بعينها - ينبغي على عرابيها الغربيين مراجعته مع انحسار الدور الفاسد للكنيسة في العصور الحديثة)، الليبرالية هي نظام يصلح أن يطبق في البيت والشارع والمدرسة والشركة والمصالح الحكومية والوزارات ومجلس الوزراء والدولة والتجمعات الدولية الإقليمية ومنظمة الأمم المتحدة.
لكل مجتمع ليبراليته الخاصة التي يرتضيها مختاراً، للتخلص من عبودية الظلم والشر، بعض المجتمعات يغالي في الانفلات باتجاه الحرية المطلقة، التي هي نفسها عبودية بشكل أو بآخر، فيخرج عن حقيقة الليبرالية، وبعض المجتمعات يجد في الليبرالية ديناً بشرياً بديلاً للديانة السماوية، فيقع في فخ العبودية الذاتية للتشكيل البشري، وبالتالي يخرج أيضاً عن حقيقة الليبرالية. يا أطفالي الأعزاء، الليبرالية في حقيقتها خروج على الظلم والأفكار الخاطئة والبيئات المشوهة، خروج إلى الحقيقة الصافية والنبع الأول الذي لم يتعكر بتراب المصالح والأهواء... فتعالوا نخرج إلى النبع الصافي، ونضع محددات التعريف والتنظيم والتطبيق لليبرالية الإسلامية:
أولاً: البناء الأساسي لليبرالية الإسلامية يقوم على الكلمة اللاتينية Liber التي تعني الإنسان الحر.
ثانياً: حق حرية التعبير مكفول للجميع.
ثالثاً: الحقوق الفردية مكفولة للجميع.
رابعاً: الليبرالي الإسلامي لا يعترف بمصطلح رجل الدين، كصفة لأناس بعينهم، فكل أمة محمد تبعاً لليبراليته رجال دين.
خامساً: الليبرالي الإسلامي يرفض تحزيب الأمة الإسلامية إلى أحزاب إسلامية وأحزاب غير إسلامية، الكل ينعم بمظلة الإسلام، فلماذا يحاول البعض الانفراد بكلمة الرب؟
سادساً: الليبرالي الإسلامي لا يصنف نفسه سنياً ولا شيعياً ولا شعرياً ولا مالكياً ولا حنفياً ولا حنبلياً ولا شافعياً ولا زيدياً ولا أباضياً ولا إثنى عشرياً ولا حتى سرورياً أو جامياً، ولا تحت أي تصنيف آخر هو مسلم وكفى.
سابعاً: الليبرالي الإسلامي يتبع التشريعات الربانية التي أوصلها لنا نبي الأمة صلى الله عليه وسلم، ولا يعترف بما سواها من التشريعات والقوانين الدينية التي تبناها من بعد ذلك بشر لم يتصلوا بالناموس.
ثامناً: الليبرالي الإسلامي يرفض تبني حال الطوارئ الدينية في المجتمعات الإسلامية بغير مبرر، لذلك فهو يرى أن القاعدة الشرعية التي تقول إن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ليست صالحة للاستخدام كل الوقت.
تاسعاً: تفترض الليبرالية الإسلامية أن المجتمعات الإسلامية صحيحة الأخلاق والمعتقد، بحيث لا تحرّم - كما يفعل آخرون - بعض النشاطات والفعاليات والعادات والتقاليد، بحجة أن المجتمع «مريض يرجى برؤه» وغير مؤهل الآن للانسجام معها، كقيادة المرأة للسيارة أو الاختلاط الشرعي أو غيرها... المجتمع الإسلامي كما تعرّفه الليبرالية الإسلامية، مستقل مكلف مسؤول عن أفعاله أمام الله وأمام القانون.
عاشراً: ترفض الليبرالية الإسلامية حصول البعض على امتيازات معينة بسبب الشكل أو اللون أو الانتماء لقبيلة معينة أو السكن في منطقة معينة أو الظهور بزي معين.
حادي عشر: الليبرالي الإسلامي لا يؤمن بكل ما أتت به الليبراليات الأخرى غير الإسلامية، هو يعتبر صالحها صالحاً له، وغير صالحها غير صالح له من منطلقات شرعية إسلامية، حالها كحال كل الأنظمة الأخرى المعمول بها تاريخياً في بلاد الغرب أولاً ثم انتقلت إلى بلاد المسلمين، كنظام المرور ونظام الملاحة الجوية وحتى نظام الدوري الكروي للرياضات المختلفة!
ثاني عشر: الليبرالية الإسلامية تدعو الناس إلى عدم تقديس الأشخاص بناء على انتمائهم لسلالات معينة كان لها أدوار دينية في ما مضى، وتنادي بعدم إضفاء هالة من القدسية على أشخاص آخرين لمجرد ارتباطهم بفكر معين، قد يكون صحيحاً وقد يكون خاطئاً.
ثالث عشر: الليبرالية الإسلامية ترفض الازدواجية في التعامل مع الآخر، كازدواجية من يكتب في الصباح الخطابات لمصنع في بريطانيا يعمل به مسيحيون من أجل توريد معدات طبية للمستشفى الذي يعمل به، ثم ينادى في المساء بقتل الغربيين المسيحيين أينما وجدوا... وعلى ذلك قيسوا يا أطفالي الأعزاء، لكن ضعوا دائماً في اعتباركم أن الإسلام هو المظلة التي تظلكم في كل زمان ومكان . الكاتب الاستاذ / عبدالله بن ناصر العتيبي .
.
.................................................. .......................................
الليبرالية بين الفهم وسوء الفهم
شاعت في مجتمعنا بعض المصطلحات التي لابسها كثير من الوهم وسوء الفهم، حيث يكتفي بعضهم بتلقي المصطلح وتبنيه دون أن يفكر في مضمونه بل إنه مع قصوره في الفهم الصحيح لا يتوانى عن الإضافة إليه من عندياته ليتوافق ومبتغاه وما يريده منه، أما الاجتراء على المصطلح وسلب المفهوم أهم خصوصياته وهي الدقة والتحديد والوضوح فلا تعني له شيئا . كلنا يذكر كيف راج عدد من المصطلحات زمن الصحوة التي كانت تطلق جزافا وكيفما اتفق، مثل شيوعي وعلماني وصولا إلى ملحد وزنديق وكافر، وربما ما زال بعضنا يذكر تلك الوريقات التي وزعت بُعيد قيادة السيارات من قبل بعض المواطنات وكيف جرى التعريف بأزواجهن وتصنيفهم فأُردف كلُ اسم بما راق لكاتب تلك الوريقات من مصطلحات فأحدهم علماني، والآخر شيوعي، والثالث علماني شيوعي، والرابع شيوعي ملحد وما إلى ذلك، بل إن مصطلح شيوعي ظل رائجا عندنا وحظي بكم كبير من الاهتمام والاحتفاء على الرغم من أن الشيوعية انتهت في موطنها الأصلي! مما يدل دلالة قاطعة على رسوخ المصطلح مع ما يعتريه من خلط مفهومي في أذهان مطلقيه، وتساهلهم في التصنيف والتكفير والإلغاء حد الرغبة الدفينة في التصفية دون خوف من الله الذي ينهى عن الرجم بالغيب، الله الذي نصّبوا أنفسهم حماة لدينه لكنهم أول من يجترئ على انتهاك نواهيه . وبعد أن انحسرت موجة مصطلح علماني في مجتمعنا أو كادت بعد أن فقد وهجه لكثرة ما استعمل فصار مستهلكا، ورغبة في الجديد الذي يمكن أن تضاف له معانٍ تخدم توجها بعينه، راج هذه الأيام وبقوة مصطلح الليبرالية الذي صار لدى بعضهم مرادفا للعلمانية وشتان ما بين هذا وذاك، ولفرط شيوع المصطلح تجد بعضهم يقول فلان ليبرالي، فإذا سألته عمّا تعنيه الليبرالية أرتج عليه وتلجلج . لعل أول نقطة ينبغي الوقوف عليها هي التأكيد على تحرير المصطلح مما علق به من خلط وتشويه وسوء فهم وتحديد مفهومه تحديدا دقيقا حتى لا يكون مدعاة لرمي الليبراليين بالكفر. Liberalism والليبرالية كما جاء في مصادرها مصطلح لاتيني من ليبر ويعني حرا أي غير مملوك، وهي اتجاه فكري ورؤية فلسفية ومذهب سياسي وحركة اجتماعية تجعل الحرية قيمة عليا . وتعود جذورها إلى عصر التنوير كرد فعل على استبداد الكنيسة وعصر الإقطاع والملوك المقدسين، وتركز الليبرالية كاتجاه سياسي على الإيمان بالتقدم وقدسية الحقوق الفردية والحد من قيود السياسة، والتأكيد على سلطة القانون، وحماية الحريات السياسية والمدنية، وإقامة ديموقراطيات حرة بانتخابات نزيهة حيث يتمتع كل المشاركين من ناخبين أو مصوتين بحقوق متساوية وفرص متكافئة للفوز أو للمشاركة (فلا مجال لقوائم التزكية). أما الليبرالية الاقتصادية فهي نظرية في الاقتصاد تؤكد على الحرية الفردية التي تقوم على المنافسة الحرة وتنادي بحرية المشروع الاقتصادي على قاعدة العقلانية الاقتصادية التي فكت ارتباطها بالعقلانية عموما في مرحلة الدولة الاستبدادية لرأس المال الاحتكاري، وتأمين نظام اقتصادي يدعم حرية البيع والشراء .
وعلى الصعيد الفكري تسعى الليبرالية لتحقيق مجتمع يتمتع بحرية الفكر، أي حرية الإنسان في التفكير والقول والكتابة، أي تحرير الفرد من العبودية الفكرية . وتتحرك الليبرالية وفق أخلاق المجتمع الذي يتبناها وقيمه، وتتكيف حسب ظروفه ومعتقداته .
ودعا الليبراليون الجدد في أمريكا إلى حق الإنسان في الرخاء والأمن وإلغاء العنصرية في كافة أشكالها، وفرض ضرائب تصاعدية تتزايد كلما زاد دخل الفرد
الليبرالية حسب هذا المفهوم تستهدف الإنسان لأنه محور كل التغيرات الثقافية والفكرية والسياسية بتقديم منظومة من الأفكار القيمية التي تبنيه وتحسّن سلوكه وتقوّم ما أعوج منها، وتنادي بتأكيد كرامته وحمايته من الاستغلال وصون حقوقه ومنع التعدي عليه تحت أي اسم أو مظلة مهما كان نوعها، والمساواة في الحقوق والواجبات بين كافة شرائح المجتمع ونزع القداسة عن الأفراد وإعلاء سيادة القانون الذي يعلو فوق الجميع .
هذا بعض ما تطرحه الليبرالية سواء اتفقنا معها أم اختلفنا، لكني أجد في بعض طرحها لاسيما المنظومة الأخلاقية تناغما مع ما جاءت به الشرائع السماوية خصوصا الإسلام . أولم يدعُ الإسلام إلى الحرية ونبذ العبودية لغير الله، حتى الحرية في الاعتقاد (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) أي من يرد أن يؤمن فليؤمن ومن يرد أن يكفر فليكفر لكنّ حسابه على الله، ألم ينهَ عن الاحتكار والجشع والبخل وكنز الأموال والذهب والفضة؟ ألم ينبذ العنصرية وينادى بالمساواة بين البشر فيما عدا التقوى؟ ألم يدعُ إلى تحرير سلوك الإنسان من الكبر والتعالي والغرور والخيلاء؟ ألم يأمرء بالصدقة والزكاة وجعلهما حقا للفقير والمحروم؟ (وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم) إذن ما بال الذين يقولون إن الليبرالية تتنافى كلية والدين الإسلامي؟ لماذا لا تعني الليبرالية عند بعضهم إلا الخروج على الدين؟ لماذا يعتبرون كل فكر يقدم لخدمة الإنسان ضد الإسلام؟ المعارضون لليبرالية يأخذون عليها تركيزها على حرية الإنسان، لكن هذه الحرية يمكن أن تكون نسبية بين مجتمع وآخر، وليس كل من نادى بالليبرالية نادى بها على إطلاقها، أفلا يوجد مجال للانتقاء بحيث يؤخذ منها ما يتناسب والفكر الديني ويترك منها ما يتعارض معه ؟
هل امتثل بعض كبار التجار والمحتكرون والمستثمرون لتعاليم الإسلام فامتنعوا عن الممارسات التجارية غير الإنسانية كاحتكار السلع و الأراضي والمبالغة في أسعارها والثراء الفاحش واستغلال البشر ؟ مما زاد الفجوة بين الأغنياء والفقراء ، بل إن بعض الممارسات الاقتصادية في بلادنا جعلت الغني يزداد غنى والفقير يزداد فقرا كما حدث في سوق الأسهم منذ أشهر ، أما احتيال بعض ذوي الأنفس المريضة على ما يتوجب عليهم من زكاة وصدقة ، والثراء غير المشروع والغش والرشى ونهب المال العام فحدث ولا حرج ، المنادون بتطبيق الشريعة الإسلامية لم ينجحوا في تطبيق ما جاء به الإسلام على هؤلاء
يقول أحد منتقدي الليبرالية في مستواها الاقتصادي : (وإذ تدعي الليبرالية مكافحة الاستبداد وتدعو إلى الحرية المطلقة فهي بدعوتها لاقتصاد السوق وحرية المبادلات واعتراضها على دور الدولة الاقتصادي، تساهم بإنتاج أبشع أنواع الاستبداد ممثلا برأس المال المتوحش الذي يهمش الضعفاء في الغرب ويحرمهم من أنظمة الخدمات العامة التي توفرها الدولة ويفترس بالمقابل ثروات الشعوب والأمم الفقيرة في الشرق أو ما تبقى منها ويخوض حروبا طاحنة ضد كل من يعترضه ويمرغ أنوف الممانعين بالوحل)، فهل الاستبداد الذي يتحدث عنه لا يوجد إلا في طرح الليبرالية؟ أليس الاستبداد حسب المفهوم الذي ساقه قد استوطن في بعض بنية المجتمعات العربية والإسلامية، وما اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء وانتشار الفقر وشيوع الجريمة إلا ثمرة من ثمار ذلك الاستبداد! !
هنالك من يضفي على الليبرالية مفهوما مرتبطا بالتفسخ والانحلال ومعاداة الدين، فيسبغون ذلك بكرم متناه على كل من يطرح طرحا تنويريا بهدف التغيير والتجديد والتحديث، فيتهمونهم بالدعوة إلى التغريب وفتح البارات والملاهي الليلية رغبة في إشاعة الفاحشة، بل حتى مصطلح التنوير يرفضونه ويدعون أنه مغاير للإسلام لمجرد أنه مصطلح غربي تهاوت سلطة الكنيسة بسببه وساد الإشعاع الحضاري في أوربا بعد قرون من الظلام والإظلام ! وبناء على هذا الطرح لا يجوز أن نقول نحن تنويريون
يتعرض أي كاتب في الشأن المجتمعي لخطاب إقصائي محمل بمفردات التخوين والتشكيك ناهيك عن الادعاء ببساطة الطرح والقصورعن تناول القضايا الكبرى في المجتمع والعجز عن طرح استراتيجية وطنية لما يكتب عنه من قضايا ، بل أصبح الهجوم على الكتاب التنويريين وسيلة يتقرب بها العاجزون من الكتاب إلى أصحاب الخطاب المتشدد لينالوا بركاتهم ! الشق الأول خطاب حفظنا مفرداته لفرط ذيوعه وانتشاره، وأبشع ما يميزه هو اغتصابه اللغة من حيث انتزاع مفردات معينة من سياقها الخاص وحقلها اللغوي ومن ثم توظيفها في سياق آخر حتى تبدو ألفاظا وتعابير معلبة جاهزة للاستخدام عند أي نقاش، جمهور هذه الخطاب ظاهرة صوتية يتلقى هذه المفردات مع ما يشوبها من خلط مفهومي فيعمل على بثها عبر الإنترنت واللقاءات التليفزيونية والمحاضرات والمقالات الصحفية، فتروج ألفاظ التخوين والتصنيفات التي تعود بالوطن إلى زمن اليمنية والقيسية اللتين تصارع أربابهما بغية إثبات التفوق والحق في الوجود على حساب الأخرى، لكن مما يتميز به هؤلاء هو أنهم يطرحون أنفسهم في غاية الوضوح .
بعض المتابعين لما يطرحه الكاتب يريدون منه أن يكتب في مقالة صحفية كل شيء في وقت واحد فهم لا يفرقون بين المقالة الصحفية أو الدراسة أو البحث العلمي، وكثيرا ما يتهم الكتاب التنويريون أو الليبراليون بأنهم لا يطرحون الحلول، مع أن الكاتب يكمن دوره في تحريك الركود وإيقاظ السكون وعلى صاحب القرار تلقي الرسالة عمل بها أم لم يعمل، إنهم يريدون منه أن يكون كاتبا ومفكرا وسياسيا ومحللا اجتماعيا ونفسيا ومخططا استراتيجيا وتنمويا، ولا بأس أن يكون محللا ماليا!! أما الشق الآخر من هذا الخطاب فأصحابه محسوبون على الثقافة بما يكتبونه في الصحف وفي المواقع الألكترونية، بعضهم بأسمائهم الحقيقية التي يكتبون بها في الصحف، وبعضهم الآخر مزدوج الشخصية تارة يكتب باسمه الحقيقي الذي يكتب به في الصحيفة، وتارة يتمترس خلف اسم مستعار يتخذه وسيلة للهذيان فيخوض في شأن الآخرين أيما خوض مستغلا أيّ معلومة عن الآخر يخال إليه أنه وحده من يعرفها وأن صاحبها يستاء من نشرها، فينتشي ببثها في سلوك مشين يوضح حقيقته التي لا يعرفها قراؤه "إن كان له قراء بحجم قراء الآخر" ويكشف الزيف ويعمل على تعريته! !
كاتبة ومذيعة في قناة غير سعودية كتبت مقالاً في إحدى الصحف عن الليبراليين السعوديين من الكتاب ووصفتهم بالنفاق ومنهم الكاتبات فقالت (أما العنصر النسائي في حزب مدعي الليبرالية فالأمر يستحق التندر . إن أشد الكاتبات السعوديات جرأة في الدعوة إلى التحرر ترفض أن تنشر لها صورة إلى جانب مقالها - الصحيفة التي تكتب فيها تنشر صور الكاتبات - وسيفاجئك رأيها : عاداتنا وتقاليدنا، أنا لا أحب أن تستغل صورتي، يكفيني الهجوم الذي أتعرض إليه بسبب قلمي)!!! لماذا يستسهل بعضنا الاتهام وإلقاء الكلام على عواهنه؟ لماذا يعتقد بعض المثقفين ممن يحسبون أنفسهم على التيار الليبرالي أن جميع الكاتبات اللاتي يكتبن في الشأن التنويري لابد أن تكون لديهن القناعة نفسها فيما يتعلق بنشر الصور والظهور على القنوات الفضائية؟ لماذا تحسب هذا التصرف نفاقا لا قناعة فعندما تقتنع بنشر صورتها ستفعل؟ النفاق معناه أنها تدعو إلى مالا تسمح به لنفسها، إضافة إلى أن خطاب التنوير والدعوة إلى التحديث ليسا إثما، فتفعله على طريقة (طباخ السم ما يذوقه) المسألة مسألة قناعة لا أكثر، أما الخطاب الذي ندعو إليه جميعا فلا يتعارض مع النص الديني ولا يخرج عمّا رسمه الإسلام وإلا لما سمحت الصحف بنشره!
بقلم الدكتورة / حسناء القنيعير
يتبع
عدل سابقا من قبل العرّاب في الأحد 10 يناير - 17:03:05 عدل 1 مرات | |
|
العرّاب
عدد المساهمات : 1569 تاريخ التسجيل : 27/11/2009
| موضوع: رد: هل تريد أن تتعرف على الليبرالية الحقيقة , تفضل بالدخول الإثنين 30 نوفمبر - 22:40:16 | |
| الأخلاق الليبرالية
عندما تنادي الليبرالية بعالم نظيف خال من الارهاب والعنف والقمع والتعذيب ومصادرة حرية الآخر، وفكره.تكون في طور تأسيس أخلاقية انسانية تنبذ كل ذلك، وتسعى لتحقيق انسانية أعظم وأكثر تمسكا بهذه المبادئ الانسانية الأخلاقية.
وعندما تحارب الليبرالية وتناضل لمنع كل تعدي أو تجاوز لحقوق الانسان ضمن المجتمع ،تكون أيضا في طور تأسيس نظام أخلاقي يعمل على كل هذا.
وعندما تفكر الليبرالية في خلق المجتمع الجديد والقانون وتعمل على تطوير البنى الاقتصادية والثقافية، تضع نصب عينيها نظام أخلاقي يساعد في اكمال هذا الخلق.
وعندما تطالب الليبرالية بمجتمع أفراده مثقفين نشيطين سعداء .فهذا يعني أنه يطالب بسلوكية تتفق مع ما يطلبه من انسانه الليبرالي.وعندما تطالب الليبرالية بمجتمع ينبذ العادات المتخلفة والتي تجر انسانها معها الى الماضي المتخلف، وتجعله عرضة لعشرات من الأمراض النفسية، والأفكار الممرضة البائسة، فهذا يعني أنه يطرح نمطا جديدا من الأخلاق وسلوكية تقضي على كل تلك السوداوية التي ربط الانسان التقليدي نفسه بحبالها زمنا طويلا.
شرائع حمورابي، الوصايا العشر، موعظة الجبل، الآيات القرآنية ، تعاليم بوذا، كريشنا، المانوية، البهائية، الاسماعيلية، المرشدية، الدروز، --------كل هؤلاء يتحدثون عن الأخلاق الحميدة، عن الايمان، عن الصدق، عن المعاملة الجيدة.
وكذلك الليبرالية جعلت ركيزة المشروع الثقافي الخاص بها والسياسي ، هي الأخلاق . ونادت بالايمان بالانسان مخلوق عظيم يحق له العيش بكرامة وسعادة ، بصدق واخلاص بعيدا عن النفاق والكذب. جعلت الايمان بالقانون ركيزتها الأخلاقية الثانية، فالقانون للجميع، لا أحد فوق القانون.وربطت بين صحة القانون وتنفيذه .وآمنت بنبذ النفاق والكذب والاحتيال في عمق فكرها الاجتماعي والسياسي ، وعملت على محاربة كل هذه المفاسد .كما عملت الليبرالية جاهدة على خلق حياة نموذجية في انسان مجتمعها ترتكز على دعم بنائه الأخلاقي من الداخل أولا، وهي في سعيها هذا لم يكن همها السلطة بحد ذاتها، بل العمل على بناء الانسان الجديد المتماسك من داخله وخارجه.وبالتالي تسعى الى تثقيفه، وتحسين سلوكيته من خلال منظومة من الأفكار التي تسند الناحية الأخلاقية فيه، وتجعلها الأهم في عملية بنائه.وتوجهت الليبرالية في سعيها هذا الى جيل المتعلمين والمثقفين حائة اياهم على تنمية معارفهم والابتعاد عن المهاترات التي لا تغني ولا تسمن، وعدم الوقوع في فخ الجدالات العقيمة ، وخاصة الدينية، والتي تعمل على زيادة الحقد والكراهية بين الشخص الللبرالي والآخر.
الايمان بالقانون يجعل الليبرالية من أكبر أعداء الفسادا الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، تحارب الليبرالية كل انواع الفساد، والتي تسعى الى هدم البناء الذي شادته على الانسان الليبرالي النظيف.الواضح .
الآخر وحقوقه أمور مقدسة لا يجوز تجاوزها أبدا،وبالتالي لا يملك الليبرالي حق الشخص الفطري في السيطرة على غيره والتحكم به ، ضمير الليبرالي يقف حاجزا منيعا في وجه كل من تسول له نفسه المراوغة أو الانفلات من حس المسؤولية الذاتية.
الليبرالي لا يتجاهل تجارب الآخرين، ولا معارفهم، ولكن تبقى له حرية اختيار ما يصلح لمجتمعه ورفض ما ينافي مجتمعه.هذا التوجه الفكري الذي يقبله الليبرالي بملئ حريته لا يعد منافيا للحرية التي يؤمن بها، بل على العكس ممكن اعتباره أحد أهداف الليبرالية الرئيسة لأنه يتيح لمن لا يملكون المعرفة الحقيقية الاقتداء بالذين يملكونها ،وفي غياب الحرية ، ربما أدى الوضع الى قيادة الجهلة للمتعلمين ،طبعا بعد أن يكبلوهم بجهلهم وتخلفهم.
النظام الأخلاقي لليبرالية، يسمح لا بل يؤكد، على أن يأخذ كل ذي حق حقه، المجتهد يكافئ، والمسيئ يعاقب. عامل أخاك كما تريد أن يعاملك: أحد القوانين الأخلاقية الطبيعية، والتي تستند اليها الليبرالية في بنائها الحضاري لمجتمعها الأخلاقي. حيث ترتكز على الحياد وعدم التحيز ،لا بل عدم تحيز من الليبرالي لذاته ،وهذه هي الحيادية المكافئة لحكم القانون بدلا من الحكم بحسب أهواء السلطة.
النظام الليبرالي الأخلاقي يعتبر الشعور بالمسؤولية نحو الغير من أولى مهامه الأخلاقية، ومن واجباته الأساسية.وذلك عن طريق : كبح الذات الليبرالية، وتحاش التجاوز على حقوق وملكيات الآخرين ، واحترام حقوقهم في الاعتراض والخلاف من دون التسبب بنزاع أو صدام.
د.الياس حلياني .................................................. ...........................
لماذا الهجوم على الليبرالية ..؟!
المتطرفون وصناعة خطاب الجهل: الموقف من الليبرالية نموذجا ( 1/2)
أسوأ ما في هذا الخطاب المتطرف أنه يستغل الدين؛ للوصول إلى أهداف سلطوية/ سياسية . ولأنه خطاب جهل، جهل بالواقع وبالذات وبالآخر، فهو يصطدم دائما بالعلم الحديث، وبالرؤى التنويرية، وبالصيرورة المدنية المعاصرة .
بداية؛ يقول الباحث القدير: رمسيس عوض: "يحلو للعقل الديني المتطرف أن يخلق أعداء من صنع الخيال" . أي أن العداوة التي يصنعها المتطرفون ليست - في أصلها - من إفرازات العلائق الاجتماعية الأولية، وإنما هي صناعة خيالية؛ بغية البحث عن مبرر وجود، في حال عدم وجود هذا المبرر في الواقع . فهي نوع من البحث عن مكانة في وقت لم يعد المجتمع محتاجا إلى التطرف؛ كما هو الحال في البيئات العصبية المتناحرة، تلك التي لا يقوم وجودها إلا على العصبية والتطرف .
إذن، لولا هذا العدو المُتَخَيّل، أو (الحقيقي !) الذي جرت صناعته؛ لم يكن هناك من مبرر مقنع، لوجود كل هذا الزخم الكهنوتي، هذا الزخم الذي يقدم نفسه - اجتماعيا - كصاحب مهمة مقدسة، وكصاحب دور مركزي في الحياة، لا وجود للحياة بدونه . بدون هذا العدو المتخيل الذي يصنعه خيال المتطرفين؛ لغاية براجماتية، يسقط الخطاب المتطرف من الأساس، أي من حيث مبدأ الوجود ذاته؛ لأنه خطاب (عدائي) يتطلب وجود أعداء في عالم الحقيقة أو في عالم الخيال .
خطاب التطرف هو خطاب الجهل والتجهيل . وهذا الوصف ليس من الهجائية في شيء، وإنما هو من توصيف الشيء بما هو عليه واقعيا . وبما أن مقاربة خطاب الجهل لا يمكن أن تنتهي؛ لأن الجهل - كخطاب متعد - لا يمكن أن ينتهي، فإن هذه المقاربة، لا تغني عنها المقاربات السابقة، التي قاربت الخطاب الجهلي/ التجهيلي من زوايا أكثر عمومية . جهالة هذا الخطاب هي جزء من جوهر وجوده، فهو خطاب قائم على الجهل، وبانتفاء الجهل، واتساع دائرة المعرفة - كَمّاً وكيفاً - يضمحل الخطاب تلقائيا، وتستقر مكوناته البشرية في صلب خطابات أخرى .
خطاب الجهل، هو خطاب التطرف المتمحور حول الأنا، والمضاد - بفعل الجهل والتعنصر - للآخر؛ جراء جهل بالذات وبالآخر . وليس شرطا أن يكون خطاب التطرف/ الجهل دينيا، فقد يكون عشائريا وعرقيا ومناطقيا وإقليميا، وذلك عندما يعمد عرق من الأعراق البشرية، أو قبيلة، أو منطقة، أو إقليم، إلى بناء تصور جاهل عن الذات وعن الآخر؛ فتظن أنها الأفضل، وأن الآخر هو الأسوأ . ولولا الجهل؛ لتعذّر بناء هذا التصور الذي يقف على الضد من حقائق العلم التجريبي، وآفاق الفكر الإنساني المتسع باتساع الإنسان .
ومع أن التطرف قد يكون غير ديني، إلا أن المجتمعات المتدينة، يتم استغلالها من جهة الدين . لهذا، غالبا ما يكون التطرف فيها دينيا . والتطرف الديني في المجتمعات الإسلامية، هو التطرف الذي يضاد المدنية من جهة، ويتبنى العنف والانفلات الأمني، من جهة أخرى . ومع أن التطرف الديني ليس من الأشياء التي تتفرد بها المجتمعات الإسلامية، فقد عانت أوروبا في العصور الوسطى، وبدايات عصر النهضة، من أبشع ألوان التطرف والتعصب، إلا أن التطرف الديني اليوم، يكاد يكون - للأسف - من سمات المجتمعات الإسلامية؛ بسبب جملة التأزمات الفكرية والاجتماعية التي تواجهها .
نحن الآن، وكما يعرف الجميع، نواجه خطر التطرف الديني لدينا على وجه التحديد، وليس أي تطرف آخر. وهو خطر على وجودنا، صنعه المتطرفون، وتسامح معه المجتمع في فترة من فترات (الغفوة) التي ظنوها انبعاثا إسلاميا مجيدا، بينما كانت في الحقيقة صناعة إيديولوجية متطرفة، أشد ما يكون التزمت والتطرف . ولسذاجتنا الفكرية، وحسن ظننا، ظننا أن كل كلام باسم الدين، هو كلام الدين ذاته، ومنحنا كل خطاب متأسلم ثمرة عقولنا وقلوبنا !.
لقد أصبح المتطرفون لدينا هم القلق الدائم، وهم السرطان الذي يهدد الجسد الاجتماعي كله، وتكاد مسألة التطرف، وما يطرحه المتطرفون علينا، أن تشغلنا عن المسائل الأساسية في النهضة المدنية المأمولة . ننام ونصحو على بياناتهم المتطرفة المتشنجة في أحسن الأحوال، وعلى اكتشاف خلايا الجناح العسكري لهم، والمدجج بأنواع الأسلحة في أسوأ الأحوال .
أسوأ ما في هذا الخطاب المتطرف أنه يستغل الدين؛ للوصول إلى أهداف سلطوية/ سياسية . ولأنه خطاب جهل، جهل بالواقع وبالذات وبالآخر، فهو يصطدم دائما بالعلم الحديث، وبالرؤى التنويرية، وبالصيرورة المدنية المعاصرة، ويجهل - جراء تركيبة الجهل فيه - أن نتيجة هذا الصدام ليست في صالحه، بل هي كفيلة بتقويضه في المستقبل المنظور .
لقد حاول أبو العقلانية الحديثة: رينيه ديكارت، إقناع الكنيسة المتطرفة - التي كانت تضطهد العلماء، وأرباب الفكر الحر، وتقيم محاكم التفتيش لهم - وقساوستها المتزمتون، أن مصلحتهم تقتضي ألا يناصبوا العلم الحديث العداء . ولكنهم لم يسمعوا له؛ لأنهم تصوروا أن شحن المجتمع بالعداء للرؤى التنويرية التقدمية، وللعلم الحديث، سيجعل المجتمع يلقي إليهم بمقاليده، وينقاد لهم؛ لمجرد أنهم كانوا يتحدثون بلسان الدين، ويدعون أنهم يعبرون عن إرادة الله .
دائما ما يزداد عنف الخطاب المتطرف، وضراوته في مهاجمة أعدائه، في الوقت الذي يجد نفسه محاصرا من قبل تنامي الوعي الاجتماعي بحقيقته . شراسة الخطاب المتطرف تزداد؛ كلما وجد أن أرضيته الاجتماعية التي يشتغل عليها، ومن خلالها، قد أصبحت غير مستقرة، وأن المتعاطفين معه، أو المخدوعين بخطابه، بدأوا يتحسسون حجم الخديعة . وهذا ما نراه الآن من قبل تيار المتطرفين لدينا .
لقد أهدى كوبرنيكوس كتابه (دوران الأجرام السماوية) الذي عرض فيه نظريته في دوران الأرض إلى البابا . ولم تتنبه الكنيسة إلى ما فيه . لكن، وبعد مرور ما يقرب من قرن من الزمان، أدانت الكنيسة جاليليو، بسبب الفكرة نفسها . هذا التسامح مع كوبرنيكوس، والسكوت عنه، في مقابل اضطهاد جاليليو، لا يفسره إلا أن الكنيسة لم تكن قد تعرضت للحصار النقدي زمن كوبرنيكوس، ولم تكن القناعة بها قد بدأت تتزعزع .
لكن، مع جاليليو، كان الكثير من المفكرين والعلماء، قد كتبوا عن زيف التطرف الديني لدى الكنيسة، بل وعن حقيقتها، أو عن حقائقها ! . لهذا كانت في غاية الشراسة مع الأخير؛ لأنها كانت تحس إحساسا حادا بخطر نمو الوعي على وجودها، وأن تحولات الزمن ليست في صالحها . لهذا جاء عنفها مع جاليليو بحجم الخطر الذي يتهددها .
إننا على يقين من أن صيرورة الزمن آخذة في اتجاه التقدم، وأن المكتسبات التي تطال الوعي - وعي الأمر، وليس وعي الأفراد - لا يمكن التنازل عنها، وأن مصير خطاب الجهل/ التطرف يتجه نحو الضمور والاضمحلال النسبي . لا بقاء للتطرف مع تنامي الوعي، وانحسار مساحات الجهل . لكن، ما نسعى إليه - جاهدين - أن يتم تجاوز الخطاب المتطرف، بأقل قدر من الخسائر . كون الخطاب المتطرف في مصيره إلى الضمور، لا يعني أن هذا سيكون بلا ثمن . ونحن نحاول ألا يكون الثمن باهضا؛ كما يريده المتطرفون .
كل ما يعارضه الخطاب المتطرف: خطاب الجهل لدينا، من مفردات حضارية تقدمية، سوف تأتي بها الضرورة التقدمية الحتمية؛ مهما حاول الوقوف في وجهها، أو التشنيع - باسم الدين - عليها . لكن، قد يتسبب في تأجيلها إلى حين . وهذا ضرر بالغ، وخسارة حضارية لا تقدر بثمن . كما قد يستلزم الأمر بعض التضحيات التي قد تكون غير ضرورية؛ لولا ممانعة خطاب الجهل/ التطرف .
ما يلاحظ اليوم على الخطاب المتطرف، أنه، وبفعل الإحساس الحاد لديه بأن الجميع قد فضح حقيقته، بدأ بالهجوم على التيارات العصرانية، وأبرزها: التيار الليبرالي . كون الهجوم من قبل تيار التطرف مركزا على الليبرالية، يعني أن الليبرالية هي النقيض الجذري لرؤى التطرف، وأن التيار المتطرف يحس بهذه الضدية والنقضية والجذرية، ويدرك أن زواله (النسبي )، وانعدام أثره في المجتمع المحلي، سيكون على يدي مبادئها الكلية، وليس على يدي الخطاب يعارضه في واحد، ويوافقه في تسعة وتسعين ! .
كما كان الشأن مع الحداثة في ثمانينيات القرن الميلادي المنصرم، تواجه - اليوم - الليبرالية - كرؤية - هجوما في غاية الشراسة والإقصائية من قبل تيار الجهل/ التطرف . هجوم يتضح فيه أنه ينبع من تيار تنظيمي أو شبه تنظيمي، يريد أن يمارس على المجتمع الدور الوصائي الذي مارسه في أزم الحداثة . إنه يريد أن يضع نفسه وسيطاً معرفياً، وليس دينيا فحسب !، بين المجتمع، وفهم الليبرالية . إنه لا يريد من المجتمع أن يفهم الليبرالية؛ عبر تاريخها و مقولاتها وتجاربها الواقعية، وإنما يريد أن من المجتمع أن يفهم الليبرالية كما يتصورها خطاب الجهل/ التطرف .
خطاب الجهل/ تيار التطرف، لا يقارب الليبرالية من وجهة نظر خاصة، أي أنه لا يقدم رأيه بوصفه مجرد وجهة نظر خاصة، أو مجرد رؤية لطرف آخر محافظ، وإنما يقدمها بوصفها رؤية الدين لليبرالية . وليس هذا فحسب، بل يقدمها بوصفها: الكفر البواح، وأنها مشروع إلحاد وانحلال، لا يتحمس له، بل ولا يتعاطف معه، كافر مرتد ! . وكل هذا يقدم بواسطة جهل مُروّع بالليبرالية، فضلا عن سياقاتها التاريخية .
هناك في العالم العربي والإسلامي، تيارات ثقافية، لا تتفق مع الليبرالية، بدافع المحافظة التقليدية، أو بدافع تباين الرؤية، وتنوع الخيارات الحضارية . ما يميز هذه التيارات التي تعارض - وقد تعادي - الليبرالية عن التيار المتطرف لدينا، أن أولئك حاولوا فهم الليبرالية، كقيم نسبية، وعرفوا ماذا تعني في مؤداها العام، وتعاملوا معها على أن الخلاف عليها خلاف مدني، وليس دينيا . بينما المتطرفون لدينا، هم أولا لا يعرفون عن الليبرالية إلا ما كتب على بعض الصفحات الانترنتية، وما كتبه بعض المؤدلجين العروبويين أو الإسلامويين عنها، وفي أحسن الأحوال، بالرجوع إلى القواميس العربية أو الأجنبية ! .
الرجوع إلى القواميس عمل مفيد . ولكن، ليس دائما، فقد يعطي القاموس المعاني مجردة، أو عابرة للثقافي، ويبتسر الجانب الحيوي والمتغير من التيار، كما أن طبيعة الاختصار التي هي من خصائص القواميس، تجعل التثبيت، والتأطير، لا بد منهما في سبيل نجاح القاموس كمشروع . لكن كل ذلك يقود إلى نوع من الجهل بموضوع البحث . إن هذا الاستخدام الآلي للقواميس لا يفعله الذين يمتلكون وعيا بالعصر؛ عبر الانخراط الفاعل والموسوعي في ثقافة العصر .
الرؤية الكهنوتية الوصائية، التي ينظر من خلالها الخطاب المتطرف: خطاب الجهل، إلى مخالفيه، هي ما تجعله يقسم العالم والأفكار والتجارب الإنسانية إلى ثنائية: الإيمان أو الكفر . وهذا ما حدا ببعض دعاة خطاب الجهل إلى دعوة الليبراليين إلى التوبة (يذكرنا بمحاكم التفتيش التي تطلب من العلماء التوبة من الهرطقة، أو أن يتم إحراقهم) والعودة إلى الإيمان ! .
النفس التكفيري واضح - بجلاء - في مثل هذه الدعوات الكهنوتية، التي ترى في نفسها الممثل الشرعي والوحيد للدين . ومن ثم فهي تريد أن يركع المفكرون والعلماء بين يديها طالبين المغفرة؛ حتى يتم تعميدهم من جديد، كمؤمنين ! . وهذه الرؤية التي تطبع سلوك التيار المتطرف ناتجة عن أمرين:
الأول: العنف، كسلوك مادي و معنوي . والعنف مكوّن جوهري من مكونات خطاب التطرف، فبدون العنف، ينتفي وجود الخطاب من الأساس، أي لو تخلى الخطاب المتطرف عن العنف؛ لم يصبح متطرفا، ولأصبح خطابا آخر . إذن، لا بد للتطرف من أن ينتج العنف: العنف الفكري أولا، والسلوكي ثانيا . وهذا واضح جدا لمن يتابع الخطاب المتطرف/ خطاب الجهل .
الثاني: الجهل . وهو من مكونات الخطاب المتطرف لدينا، فهو خطاب جاهل بالخطاب الآخر، ودعواه العلم بمقولات التيار الذي يعارضه - خاصة إذا كان تيارا حديثا - دعوى لا تتجاوز إدعاء المعلوماتية المجزّأة التي لا تحدد عوالم الآخر، بل قد تقود - رغم صحتها في بعدها الجزئي المجرد - على تصورات مغلوطة، تزيّف الموضع؛ بدل أن تمنحك وعيا واقعيا به .
ولا شك أن هذا الجهل الذي هو لازمة من لوازم التيار المتطرف، نابع من عدة عوامل، منها ما هو مرتبط بالكسل المعرفي؛ لأن المعرفة ليست غاية في ذاتها لديهم، وإنما هي للتوظيف الإيديولوجي، ومنها ما هو مرتبط بالقدرات العقلية المتواضعة لرموز هذا التيار، فضلا عن مريديه الكبار؛ لأنه لولا التواضع في هذه القدرات ابتداء؛ لم ينخرط الرمز أو المريد - أساسا - في تيار التطرف الذي يقوم وجوده على الجهل بكليات الواقع وكليات التاريخ .
أخذ العلم على هذا النحو الذي يراهن على المعلومة المجردة، المجتزئة من عدة سياقات، لا يمكن فهمها إلا من خلالها، هو ما يراهن عليه رموز خطاب الجهل/ التطرف؛ لأنهم لا يحسنون أكثر من هذا . هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فالجماهير التي يستهويها العامي والشفهي والجزئي، لا تتقاطع إلا مع هذا النوع من الجهل المظنون علما ! . وهذا ما يفسر جماهيرية الخطاب المتطرف، التي تنظر إلى خطاب الجهل، كمصدر علمي وحيد !.
إن الجهل الذي يشكل مكونا أساسيا من مكونات خطاب التطرف، ليس مجرد تهمة، بل جهل يدركه من يمتلك الحدود الدنيا من القرائية؛ شرط عدم التماهي مع الخطاب المتطرف ذاته . ولعل الفضائح المعرفية التي ظهرت في هجومهم الأخير على الليبرالية، تكشف - حتى للمريدين - مستوى الجهل فيمن يرون أنفسهم رموز هذا التيار . إنه جهل يطال حتى المعلومة الجزئية التي يراهنون عليها .
وكمثال، فإن أحدهم أقام حلقة خاصة عن الليبرالية، في برنامج تلفزيوني خاص به، على إحدى الفضائيات المتطرفة، فجاء بالمضحكات المبكيات، على لغة أبي الطيب المتنبي . لقد جاء بكل ما يدل على جهله الفاضح؛ من تطرف في الأحكام، وجهل بالموضوع الذي هو بصدد عرضه، واحتقار - غير أخلاقي وغير علمي لمقدم البرنامج، الذي ساهم - بدوره - في تعزيز هذا الاحتقار، إلى استغفال المشاهدين، بوضع الانحلال والكفر والإلحاد، كناتج حتمي من نتائج الليبرالية التي يهاجمها .
سأفصّل في الكثير من دلائل الجهل الفاضح، عنده وعند غيره، ممن ناقش الليبرالية مؤخرا، في الجزء الثاني من هذا المقال، الذي سيكون ردا تفصيليا على التهم (الجهلية) الموجهة إلى الليبرالية . لكن، لا استطيع إنهاء هذا الجزء؛ دون أن ذكر المعلومة الفريدة التي تضحك وتبكي، والتي أتحف بها مشاهديه الكرام، وهي في قوله إن (إسبانيا) تعتبر قمة التقدم الحضاري !. لقد أدلى بهذه المعلومة الفريدة، لأنه يريد أن يدلل على هول المعاناة في أسبانيا؛ رغم - فيما يزعم - ليبراليتها وتقدمها، بل رغم أنها (قمة التقدم) ! .
إن المطلع - أدنى اطلاع - على العالم الغربي اليوم، يدرك أن (أسبانيا) ليست في قمة التقدم الحضاري - كما ادعى هذا، وهو أحد رموز خطاب الجهل - وإنما هي تكاد أن تكون في قاع المنظومة الغربية الرأسمالية، التي تنحى المنحى الليبرالي في سياستها واقتصادها. بل إن إدراج (اسبانيا) في الاتحاد الأوروبي، أريد به انتشالها من تأخرها عن منظومة الدول القيادية في الاتحاد الأوروبي، ولولا أنها من أوروبا - جغرافيا وثقافيا - لتم تجاهلها؛ لأنها لا ترقى إلى مستوى دول الاتحاد الأولى .
إذن، فكيف تكون هذه الدولة التي يصفها كثير من المحللين الأوروبيين بالمتخلفة، في قمة التقدم الحضاري ؟! . إنه ثناء غير بريء، قاده إليه الجهل من جهة، ومن جهة أخرى، رغبة متطرفة في استخدام تلك المعلومات عن أسبانيا للتشنيع على الليبرالية، مع أن أسبانيا ليست من الدول ذات العراقة الليبرالية، فعهدها بالاستبداد والسلطة الكهنوتية قريب. ما كان لهذا العبث، ولا هذا التطرف أن يمر، حتى في أوساط المريدين؛ لولا الجهل الفاضح التي تميز به خطاب التطرف/ الجهل عن غيره من الخطابات الرائجة؛ على اختلافها وتباينها .
المتطرفون وصناعة خطاب الجهل: الموقف من الليبرالية نموذجا ( 2/2)
عندما يتصدر أحد المتطرفين لمهاجمة الليبرالية، فإنه يهاجمها بلسان الإسلام. وهذا يجعل من جهله الفاضح في هذا الهجوم، هجوماً على الإسلام ذاته، وإن لم يدرك المتطرف/ الجاهل ذلك. مشكلة الخطاب المتطرف/ الجهل أنه لا يدرك مستوى جهله - عكس الجاهل الطبيعي - ولا يعي حقيقة أنه موغل في التطرف أشد ما يكون الإيغال
وهذه الصفة (الجهلية) التي تميز بها الخطاب المتطرف عندنا، ليست صفة مقصورة عليه، وإنما هي صفة تكاد تعم جميع أنواع الخطابات المتطرفة، في جميع الثقافات والديانات والمذاهب، قديمها وحديثها. إنها (الجهلية) صفة تلازم نسق التطرف؛ أينما وجد هذا النسق؛ لأن التطرف هو - بالضرورة - نتاج الجهل. مع أن الجهل لا يستلزم - بالضرورة - تطرفا .
الجهل، كحالة لازمة للتطرف، تكاد تستولي على جميع أفراد الخطاب المتماهين معه؛ حتى أولئك الذين حالوا الانعتاق منه، وبدأوا (يحاولون) - صادقين أو مخادعين - إنتاج نوع من الخطاب المعتدل. ما يأسرهم هنا ليس التطرف الذي يحاولون تجاوزه، وقد ينجحون!، وإنما هي البنية المعرفية التي ترسّخت فيهم زمن الاشتباك مع خطاب التطرف/ الجهل.
المتطرفون، والمتطرفون السابقون، يختلفون حول مفردات التطرف حاليا، ولكنهم يستوون في الجهل؛ لأن التركيبة العقلية التي تمت صناعتها في الماضي لعقود، يستحيل تفكيكها، وإعادة تركيبها من جديد، في بضع سنين. وهذا ما يفسر كيف أن بعض المبتعثين من جامعات تقليدية لدينا، قد يذهبون إلى أرقى جامعات العالم، ولكنهم يعودون ممارسين لخطاب الجهل، بأشد وجوه هذا الخطاب تطرفا وجهلية؛ مع أنهم يمتلكون المعلومة الحديثة، ويستطيعون استخدام الوسائط المعرفية بكل مهارة. إنهم يصبحون أدوات فاعلة لتمرير خطاب الجهل، أو الجهل المسمى: علما، بلغة الأستاذ: إبراهيم البليهي.
قد يخاطبك المتطرف/ الجاهل بأحدث أساليب الخطاب، من حيث اللغة المباشرة، وإغراءات المعلوماتية، كثافة وجدّة. لكنه في النهاية لن يقدم خطابا عقلانيا، يتجاوز - بل ويفصل - مع خطاب التطرف/ الجهل؛ لأن كل ما استحدثه من وسائط ومعلومة يتم إدراجه في أنساق عقلية تشكلت في الزمن الغابر، تشكلت على إيقاع رؤى الانغلاق والمفاصلة والتمايز، بل والعداء - عداء صريحا أو خفيا قابعا في أعماق اللاوعي - لكل ما هو آت من خارج دائرة الأنا .
ولأن المسألة هنا، هي دفاع عن الإسلام بالدرجة الأولى، ولأن كل ما يشوه صورة الخطاب الإسلامي يمزقني - ألما - من أعماقي، فشدما يحزنني، بل يجعلني أعيش لحظة (خزي فضائحي) أن أجد أحد رموز الأسلمة، يتكلم في أوسع الفضائيات انتشارا، عن كل قطر إسلامي، اقتصادا وسياسة وثقافة ..إلخ، بمعلومات (عاطفية) يستطيع تصحيحها له (المتوسط) من طلاب المرحلة الابتدائية. يفضح نفسه بنفسه، ولا يعي ذلك؛ لأنه غارق في ذاتية ملتهبة، ملكت عليه كل خطواته. وهو حر في ذلك؛ لولا أنه يتحدث بلسان الأسلمة، ويجني على الإسلام - وعلينا من وراء ذلك - بهذا المستوى المروّع من الجهل الفاضح .
يجب على المسلم، كل مسلم، أن يدافع عن دينه، ولكن ليس من حقه أن يشوه صورة الإسلام بهذا المستوى الفاضح من الجهل، فضلا عن المستوى المفضوح من التطرف الخفي. كل يريد أن يقدم نفسه كرمز إسلامي؛ لأن هذا شرف، ولكن لا بد من التأكد أن هذا الترميز يعزز من إيجابية الخطاب الإسلامي وانفتاحه أم لا. لا بد أن يتجاوز المتأسلمون الذاتية، على الإسلام ذاته كموضوع، وأن يدركوا أن الجاهل عدو نفسه، كما قالت العرب قديما .
لهذا، فعندما يتصدر أحد المتطرفين لمهاجمة الليبرالية، فإنه يهاجمها بلسان الإسلام. وهذا يجعل من جهله الفاضح في هذا الهجوم، هجوما على الإسلام ذاته، وإن لم يدرك المتطرف/ الجاهل ذلك. مشكلة الخطاب المتطرف/ الجهل أنه لا يدرك مستوى جهله - عكس الجاهل الطبيعي - ولا يعي حقيقة أنه موغل في التطرف أشد ما يكون الإيغال .
لهذا، فالمتطرف يرى سلوكه طبيعيا من جهة، وخطابه خطاب معرفة من جهة أخرى. والجماهير من وراء ذلك تصدق هذا وذاك؛ لأنها - أي الجماهير - تم اختطافها في فترة من فترات (الغفوة) التي لازلنا نعاني من ويلاتها - تطرفا وجهالة - إلى الآن. ومعظم الذين يروجون لخطاب التطرف/ الجهل، هم من نتاجها المباشر أو غير المباشر.
الليبرالية بوصفها الحاضن الاجتماعي لصيرورة العلم الحديث، ولتطورات الحداثة، وبوصفها الأشد تسامحا، والأكثر انفتاحا، والأبعد عن التطرف، لا بد أن تواجه بالعداء من قبل التيارات التي هي على الضد من كل ذلك. أعداء التسامح، وأعداء الانفتاح، وأعداء الإخاء الإنساني، وأعداء العلم، هؤلاء الأعداء لتاريخية التطور كلها، هؤلاء الأعداء من كل دين، ومن كل مذهب، وفي كل مكان وزمان، لا يمكن أن يتسامحوا مع الليبرالية وقيمها السامية. بل سيهاجمونها بكل شراسة، لأنها تنفي التخلف والجهل والدجل المعرفي، الذي يقوم عليه خطاب التطرف/ الجهل، وترتبط به مصالح ذويه، من الأساس؛ لأنه - في آخر الأمر - دفاع عن مصالح، ومناطق نفوذ، يقتاتون عليها ماديا ومعنويا .
ربما هناك من يتصور أن هذا العداء لليبرالية عداء حديث، أو أنه خاص بالمتطرفين من داخل الإسلاموية المعاصرة. لكن، حقائق التاريخ والواقع تؤكد أن الليبرالية منذ البداية، واجهة عداء مستعرا من قبل سدنة خطاب التطرف/ الجهل الذي كان هو المهيمن على الخطاب المسيحي في أوروبا في زمنها الما قبل حداثي. بل استمر ذلك إلى بدايات القرن العشرين. وعاشت أوروبا صراعا حادا بين الخطاب الديني المتطرف، وبين حملة الرؤى الليبرالية من التيارات الحديثة كافة. لقد أصدر البابا بيوس العاشر قرارا بإدانة الاشتراكية والليبرالية والديمقراطية وحقوق الإنسان، واعتبرها (كفرا! ).
هذا البابا المتطرف (التكفيري) الذي يمثل خطاب التطرف/ الجهل، أفضل تمثيل، حكم بكفر الليبرالية، كما يفعل ذلك الخطاب المتطرف/ الجاهل عندنا. وهذا يدل على أن النسق الفكري واحد، عند جميع المتطرفين، أيا كان انتماؤهم الديني. آلية التكفير والحرمان الكنسي تم استخدامها من قبل المتطرفين في أوروبا على امتداد أربعة قرون أو تزيد، وأقيمت في فترات طويلة من تاريخ أوروبا محاكم التفتيش التي اضطهدت المفكرين والعلماء؛ إلى درجة الإعدام حرقا. إن هذه المحاكم هي النموذج التاريخي الكامن في أعماق متطرفينا، والتي يتحرّقون لإقامتها للمفكرين العرب والمسلمين.
كتابات كثيرة، وبرامج فضائية عديدة، تم توجيهها في الأشهر الأخيرة للهجوم على الليبرالية المحلية. ولو كان الأمر مجرد هجوم؛ لكان مقبولا، بل ومطلوبا؛ لإثراء الساحة الثقافية بكثير مما هو غائب أو مغيب عنها. لكن، كان الهجوم ينبع عن جهل فاضح من جهة، وينضح بلغة التكفير، أو التضليل على أقل تقدير، من جهة أخرى. وكانت الاتهامات بقدر ما تشي بتغلغل النفس التكفيري، وتفشي الحقد في أوساط المتطرفين ضد كل ما هو جديد، بقدر ما تعلن عن أزمة ثقافية، تظهر في صورة السذاجة الجماهيرية التي تصدق - أو تكاد أن تصدق - التهم التي يسوقها خطاب التطرف/ الجهل في حق الليبرالية.
حزمة التهم التي وجهها المتطرفون لليبرالية، إما أنها تعبر عن جهل، أو عن تطرف، أو عنهما جميعا. وسأقف عند أشدها تكرارا في الخطاب المتطرف. وليعذرني القارئ النوعي؛ لأن مناقشتي لها ستكون سجالية من ناحية، وتوضيحية من ناحية أخرى، أكثر منها علمية؛ لأن الجماهير التي يستهدفها خطاب التطرف/ الجهل، محكومة بالنفس السجالي؛ جراء تماهيها الطويل مع خطاب سجالي، تبسيطي، خطابي في نبرته ذات التشنج العالي.
أفعل ذلك؛ لأني أدرك أن القارئ النوعي لم ولن يخدعه خطاب التطرف/ الجهل؛ لأنه لا يمتلك العلمية التي يمكنها أن تحاور( عقل )، وإنما هي تمتمات خطابية، يخدع بها عواطف الجماهير التي تعودت التواصل من خلال شبكة العواطف فحسب.
إن أهم التهم التي تم توجيهها للخطاب الليبرالي، خطابا وأفرادا، من قبل تيار التطرف/ الجهل، تتحدد فيما يلي :
1- عدم التحديد، أو عدم وجود تعريف (جامع مانع!) يمكن تعريف الليبرالية من خلاله. فالليبرالية مصطلح مائع، مصطلح متموج، مصطلح متشظي الدلالة، وهذا - في نظر خطاب الجهل - من عيوب الليبرالية التي يعني - في نظرهم - أنها غير قادرة على تحديد نفسها.
هنا، نجد أن خطاب الجهل، وهو خطاب تقليدي بامتياز، يصطدم بشيء خارج عن عالمه، أو عن حدود خارطته المعرفية، أو خارج الإمكانيات التي منحتها هذه الخارطة له. التقليدي إنسان متذكر وليس إنسانا متفكرا. التقليدي يمتهن الحفظ فحسب، ولا يستطيع التفكير. وفي حال عدم وجود تعريف (جامع مانع!) يسهل حفظه، ومن ثم ترديده، فإن العقل التقليدي يقع في ورطة معرفية رهيبة. كيف يلملم أشتات موضوع لا يمكن أن يحفظ، وهو الإنسان الذي تعود أن العلم = الحفظ.
لقد تعود التقليدي أن العلم شيء ناجز جاهز معلب، وأن مهمة العقل لا تتعدى الاستذكار، كآلية تسجيل رديئة جدا، بحيث يخونها النسيان مرارا. لم يتعود التقليدي على أن العلم بحث وتفكير واشتباك مع أبعاد غير قارة، ومع نسبيات يصعب إخضاعها للتثبيت في الزمان والمكان. العقل التقليدي عقل استاتيكي جامد، ومن ثم، فهو يطلب معنى جامدا، بحيث يستطيع عقله الجامد أن يتعاطى معه .
لكن، تكمن المشكلة أن الليبرالية لو تم تجميدها وتثبيتها وارتهانها إلى لحظة تاريخية واحدة، ومكان واحد؛ لانتفت الليبرالية أن تكون ليبرالية. أهم ما يميز الليبرالية هو انفتاحها على كل التجارب الإنسانية التي تعلي من الإنسان كقيمة، ومن الحرية كقيمة مركزية، وأنها دائمة التطور من الداخل، ومشتبكة - بإيجابية - مع إحداثات الخارج، وأنها قابلة للتشكل وللتشكيل؛ في إطار قيمها التي تشكل الأساس الروحي لها.
يستحيل تأطير الليبرالية، بحيث يسهل على صاحب الكسل المعرفي (المتطرف) أن يعيها بأبعادها المتعددة. إشكالية التيار المتطرف أنه كسول معرفيا، فلكي يعرف ما هي الليبرالية يريد أن يرجع إلى موقع إلكتروني، أو إلى قاموس فلسفي في أحسن الأحوال! . القواميس، كما قلت من قبل، قد تنفع في بعض المصطلحات، وقد تقرّب الصورة إلى حد ما. لكنها، لن تمنح (فهما) بالمصطلحات العريضة الممتدة في مساحات جغرافية متباينة، وعمق تاريخي يمتد لقرون، وتشظي فرداني، تكاد منه الليبرالية أن تتعدد بتعدد أفرادها.
دون الارتحال الذهني مع الليبرالية في تاريخها الطويل، يستحيل الوعي بالجوهر الروحي للليبرالية. كتوطئة تاريخية، أولية، وضرورية، لا يمكن أن تلمس الليبرالية دون قراءة المجلدات العشرة (= عشرين جزءا) من قصة الحضارة ل( ول ديورانت) التي تحكي شعابها البذور الأولى التي تشكلت منها وبها الليبرالية. لا بد من هذا كتوطئة ضرورية؛ فضلا عن فترة ما بعد الثورة الفرنسية إلى اليوم، وهي - وإن كنا نعاصر بعض فتراتها - جزء من تاريخ الليبرالية التي يستحيل الوعي بها من دون الوعي به. بل يكاد مصطلح الليبرالية أن يكون هو تاريخ الليبرالية، ممتدا باتساع هذا التاريخ .
إن الليبرالية كغيرها من المصطلحات التي خضعت - وأخضعت - لتجارب تاريخية عديدة، وتداخلت مع تنويعات ثقافية متباينة، بل وربما متضادة، يستحيل تحديدها في سطور، كما يريد ذلك تيار الجهل. لقد قال أحد النقاد الغربيين في شأن تعريف الرومانسية كمذهب أدبي: إذا أردت أن تعرف حماقة الرجل، فاطلب منه تعريفا (محددا) للرومانسية، فإذا قام بذلك فاعلم أنه أحمق. وكذلك الحال مع الليبرالية. وأنا أقصد هنا التعريف المحدد؛ لا التعريف المتسع باتساع المفردات الأساسية في كل منهما.
الغريب أن تيار التطرف/ الجهل، مع أنه يعترف بعجزه عن تحديد ماذا تعني الليبرالية، إلا أنه يهاجمها على درجة تكفيرها وتكفير أفرادها. وهذا من التناقض الدائم الذي يسم خطاب التطرف/ الجهل. إنه يريد وصم الليبرالية بالفوضوية المصطلحية من جهة، ويريد إدانتها بالكفر من جهة أخرى. إنه يقوم بتكفير شيء يعترف أنه لا يستطيع تحديده! .
2-
ومن التهم التي يصم بها التيار المتطرف الليبرالية، ولها نوع علاقة بإشكالية المصطلح، أنها بلا مرجعية محددة. وهذا أيضا من طبيعة التفكير المحدد والمؤطر الذي هو من سمات العقل التقليدي. إنه لا يستطيع التفكير إلا عبر النموذج الذي اعتاد التفكير من خلاله. فهو اعتاد عندما يهاجم الفرق والمذاهب والطوائف أن يهاجمها من خلال المراجع المعتمدة عند هؤلاء.
إشكالية الليبرالية - وهي من أهم إيجابياتها - عند التيار التقليدي أنها لا تعترف بمرجعية. وهذا صحيح. فالليبرالية لا تعترف بمرجعية ليبرالية مقدسة؛ لأنها لو قدست أحد رموزها إلى درجة أن يتحدث بلسانها، أو قدست أحد كتبها إلى درجة أن تعتبره المعبر الوحيد أو الأساسي عنها، لم تصبح ليبرالية، ولأصبحت مذهبا من المذاهب المنغلقة على نفسها.
مرجعية الليبرالية هي في هذا الفضاء الواسع من القيم التي تتمحور حول الإنسان، وحرية الإنسان، وكرامة الإنسان، وفردانية الإنسان. الليبرالية تتعدد بتعدد الليبراليين. وكل ليبرالي فهو مرجع ليبراليته. وتاريخ الليبرالية المشحون بالتجارب الليبرالية المتنوعة، والنتاج الثقافي المتمحور حول قيم الليبرالية، كلها مراجع ليبرالية. لكن أيا منها، ليس مرجعا ملزما، ومتى ألزم أو حاول الإلزام، سقط من سجل التراث الليبرالي .
3- عقلانية الليبرالية. وهذه التهمة من عجائب التيار المتطرف الذي لا يعرف حتى كيف يدين خصومه. فكون الليبرالية عقلانية، يعني أنها مع العقل. وتيار التطرف تيار معادٍ للعقل. ومن ثم، نفهم، كيف تصبح العقلانية - التي يتشرّف بها حتى من لا يمتلكها - تصبح موضوعا تهاجم الليبرالية من خلاله. لكن، وكما قال البحتري: إذا محاسني اللاتي أدل بها كانت ذوبي فقل لي كيف أعتذر؟!
4- أن الليبرالية كرؤية عامة، هي غربية المنشأ. وهذه التهمة تعكس الجرح النرجسي (بتعبير جورج طرابيشي) الذي تعاني منه الذات الإسلامية عامة، الإسلاموية خاصة. فكل ما هو رائع ومفيد، لا يمكن أن تتم الاستفادة منه؛ ما دام آتياً من الغرب/ خاصة إن كان على مستوى الثقافة ومنظومة القيم؛ لأن هذا لا بد أن يؤدي إلى وضع نفسي جارح للذات، أي اعتراف ضمني أن الغرب متفوق، ليس في المجال المادي فحسب، وإنما في القيمي أيضا. وهنا تظهر (عقدة الغرب) كعقدة ضاغطة على الوعي؛ لأنها تذكر - دائما، وفي جميع الأحوال - بفشل الأنا، ونجاح الآخر .
ولهذا لا تعجب حين تسمع أحدهم - من مدعي الاعتدال - عندما يتحدث عن تجديد الخطاب الديني، أن يقول صراحة، إنه يرفض هذا التجديد إذا كان نتيجة الاطلاع على التراث العقلاني الغربي، ممثلا في فلاسفته العظام. ويصرح أنه يرفض الاستفادة من كل أعلام الفلسفة الغربية؛ لأن لدينا ما يغنينا عنهم. هكذا قال!، ولا أدري ما هو الذي لدينا، ويغنينا عنهم؟!.
5- يقول التيار المتطرف: الليبرالية مادية، تعبر عن مادية الغرب، بينما الإسلام روحاني. وهذا جهل فاضح بالمنظومة الليبرالية؛ لأن الليبرالية بالدرجة الأولى، مجموعة قيم إنسانية، تعزز من إنسانية الإنسان؛ في مواجهة غول الطغيان والاستبداد الذي قد تعضده المادية، على الأقل في بعض مراحله. نعم قد تسمح الليبرالية - من حيث جانب الحرية فيها - بأن يتغوّل الرأسمال، ويصبح طاغيا على الروحاني. لكن، جهل هؤلاء أن الليبرالية واسعة الأطراف، وبين يمينها ويسارها، من الرؤى موضوع التجربة، ما يمكن أن يحد من سلبياتها.
أما روحانية الإسلام ومادية الليبرالية/ الغرب، فهو اصطلاح روّج له كثير من المستشرقين، ويكاد يصبح رؤية استشراقية مقصودة، كما نبّه إلى ذلك إدوارد سعيد في كتابه الرائع (الاستشراق). وهنا نرى، كيف أن الجهل يتسبب في أن يقع التيار التقليدي المتطرف في رؤى من يراه ألد أعدائه. فضلا عن كونها تعكس رؤية جامدة (جبرية) بوصف الصفة (الروحانية) في حال التسليم بها، صفة لازمة، لا يمكن تجاوزها. كما تعكس - في الوقت نفسه - الجهل بنسبية الصفات، تلك النسبية التي لا تجعل من (الروحانية) صفة إيجابية دائما، وفي كل الأحوال. كما لا تجعل من المادية صفة سلبية، في كل الأحوال .
6- يتحدث خطاب التطرف/ الجهل عن أن الليبرالية ضد الدين، أو أنها تهاجم الدين. وهذا كلام عام، يراد به التنفير من الليبرالية، واتهام روادها بالكفر. أي انه نوع من التكفير المضمر، أو التجييش الإيديولوجي لصالح خطاب التطرف، وضد خطابات الاعتدال على اختلافها وتنوعها.
كون الليبرالية تهاجم الدين، لا بد من التحديد، أية ليبرالية، وأي دين. وبدون هذا التحديد في كلا الطرفين، لا يمكن أن يكون الجواب صحيحا بحال. الليبرالية ليبراليات، ويوجد ملحدون وكارهون لكل دين، ينتسبون إلى الليبرالية، كما يوجد مؤمنون موحدون متدينون، ينتسبون إلى الليبرالية أيضا.
وهنا، لا بد من الارتباط بما قلت من قبل، وهو أن الليبرالية تكاد تتعدد وتتنوع بتعدد وتنوع من يتمثلونها. لا يمكن أن أحاسب ليبرالياً ما، بقول يقول به ليبرالي آخر؛ لأن كلا منهما مسؤول عن ليبراليته، وليس عن ليبرالية الآخرين. كما أن تيارات الليبرالية متنوعة، فمنها ما ينحو منحى إيمانيا يكاد أن يعم جميع أفراد التيار، ومنها ما ينحو على الضد من ذلك .
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فبعض أنواع الليبرالية قد تهاجم الدين، ولكن أي دين؟. إنها تهاجم الدين الذي يروّج للخرافة، أو الدين الذي يدعو إلى التعصب والإقصاء، بينما هي تتحمّس للدين الذي يدعو إلى الإخاء، والعدل، وتعزيز الإنسان كقيمة. أي أنها تهاجم الجوانب السلبية التي ينسبها الغلاة المتطرفون من أتباع الديانات السماوية، على الأديان. ومن هنا نفهم كيف اصطدم الليبراليون الأوائل بالسلطات الكهنوتية؛ لأنها كانت سلطات تدعي أنها تتحدث بلسان الدين/ الله، وأن من حقها حساب الناس على عقائدهم، والتفتيش عليها. وهذا ما حاربته الليبرالية، وحققت فيه انتصاراتها المذهلة في الغرب.
7- الليبرالية تفرز الانحلال. وهذه التهمة هي من أبرز التهم التي يوجهها خطاب التطرف/ الجهل إلى الليبرالية. صحيح أن الليبرالية تعلي من قيمة الحرية الفردية؛ لكن هي تفعل ذلك في سياق ثقافي/ تاريخي لا يمكن تجاوزه. ومن ثم فالحرية بوصلة اتجاه. وبعد ذلك، لا مانع من كون بعض الأنظمة تحدد مجالات الحرية، وتضع المطلق في سياق النسبي. وفضاءات الليبرالية الواسعة قابلة لأن تحتضن مثل هذا الارتباط بالسياق.
أحد المتطرفين الذين تحدثوا عن الليبرالية، لم يفهم من الليبرالية إلا أنها دعاية للانحلال. وكي يثبت هذا الفهم الجاهل/ الفاضح لمشاهدي قناته المتطرفة - وهم أقرب إلى السذاجة، والتصديق بكل ما يقوله صاحب (العمامة) - فقد أتى بإحصائيات عن الإباحية في بعض دول الغرب، ثم نظر إلى الكاميرا - في مشهد درامي - قائلا: هذه هي الليبرالية، لا، لا نريدها. فكم من مخدوع بهذا الجهل؟!.
بقلم الاستاذ / محمد بن علي المحمود . | |
|