يبصمون .. ثم يتظاهرون بأنهم يحكمون!!

يبصمون .. ثم يتظاهرون بأنهم يحكمون!!

الخليجيون - وأقصد بهم العامة الذين لا قرار بيدهم ولا رأي يطلب منهم ولا استشارة تسند اليهم ، فهم على الهامش من كل أمر وشأن وطني ، فلا استفادة يجنونها ولا افادة يبدونها !! - هم أكثر شعوب الأرض تألماً وتحسراً على أوضاع بلادهم وضياع خيراتهم , والذي ينظر في حالهم يكاد يجزم بأن بيت الشعر القائل " وظلم ذوي القربى أشد مضاضة = على النفس من وقع الحسام المهندِ " ما قيل إلا فيهم ! فالظلم الذي هم فيه مصدره ومنبعه وأساسه رموزهم السياسية التي تتولى شؤون البلاد وتمسك بحقوق العباد !؟.

كل ما يملكه المواطن الخليجي أو بمعنى أصح يسمح له به هو التذمر والامتعاض والحزن وحرق الاعصاب، ثم التعبير عن ذلك كتابة من خلال منتديات ومدونات الانترنت، وبعض مقالات التودد والاسترحام في صحيفة هنا أو هناك ، وهي وسيلة وان كانت تنفس شيئاً من الضغط النفسي المتواصل، وتخفف قليلاً من الشد العصبي المتواتر الذي تجلبه الى النفوس في كل يوم بل على مدار الساعة تيارات الآلام وعواصف الاستياء العام ، والمترتبة على ما يرونه ويقرأون عنه ويعايشونه من أوضاع مأساوية وقرارات واجراءات تتبناها وتصدرها رموز قيادية انهزامية ليس لها من الصفة الوطنية الحقيقية حظ مدرك , ولا لديها مفهومية ودراية قيادية تبرهن عنها الشواهد وتثبتها رواسخ الواقع , فهي قيادات في وادٍ سحيق من الانعزالية عن شعوبها , وعن مصالح أوطانها ومنفعة شعوبها في وادٍ أخر أبعد سحقاً !.

ان أشد ما يؤلم النفس الخليجية غير القيادية أن يستوطن الفقر والبؤس والعوز جميع – من غير استثناء بنسبٍ مختلفة – المجتمعات الخليجية , وتنتشر بتصاعد رهيب معدلات البطالة وتتجلى مظاهر الحرمان بعمومية ملفتة في أرض وبين شعوب دول تعوم على بحيرة بل بحرٍ من النفط الذي لا يعلم إلا علاّم الغيوب والمسؤولون في مراكز القرار والهرمية القيادية أين تذهب عوائده المقدرة بمئات المليارات من الدولارات ؟!.

وهناك مصدر قلق ومبعث ألم للنفس الخليجية يتمثل في تولية المُسْتَقْدَمين من الخارج - بصفة مستشارين أو مخططين أوغير ذلك - شؤون البلاد وأمورها الحساسة وبالغة الخطورة والسرية ، وابعاد أبناء الوطن عن هذا المجال ( الإعداد الاستراتيجي الشامل ) ، بل لايسمح لهم حتى بمراقبته ومعرفة مساراته ومنطلقاته ومراسيه! وكأن الغريب أكثر أمانة واخلاصاً وحفظاً للأسرار من ابن البلد ؟!!.

تعجبت جداً حين قرأت خبراً في احدى الصحف يمتعض محرره من العثور على ملف يتعلق بوزارة الخارجية لاحدى الدول الخليجية مرمياً على الأرض في سوق بيع الأثاث المستهلك ، تدوسه الأقدام ، وتتطاير أوراقه في كل ناحية واتجاه , وهي بلا شك تحتوي على معلومات غاية في السرية والخطورة , تتعلق بذات الدولة التابعة لها وزارة الخارجية المتناثرة أوراقها السرية في العراء ..!!.

والذي يقرأ الخبر - من أبناء المنظومة الخليجية – سيمتعض من أن لا يتم الاهتمام والحفاظ بالمستندات الرسمية ذات الصفة الاستراتيجية المتضمنة أسرار الدولة في مكان آمن , والحيلولة دون وقوعها في الأيدي غير الأمينة ؛ وكأني بهذا المتذمر والممتعض من شيوع أسرار البلد / البلدان الخليجية على قارعة الطريق في متناول مَنْ شاء وأراد , كأني بهذا المتذمر يجهل أن الملف الدبلوماسي المتناثرة أوراقه في سوق الأثاث القديم ليس إلا قصاصات من وريقات كتبها مستشار فلسطيني أو مصري أو لبناني وقد أرسل عنها قبل أن يطلع عليها – ان كان في نيته الاطلاع - مسؤوله الخليجي - الذي كلفه بالتفكير والتخطيط والتدوين لكل صغيرة وكبيرة تتعلق بأسرار الدولة التي يقودها هذا المسؤول الخليجي ( صورياً ) – أقول لا يدري المواطن الخليجي أن المستشارالأجنبي قد أرسل نسخة طبق الأصل مما دوّن - بل أرسل الأصل وأبقى على النسخة الكربونية - الى مرجعه في الخارج , و مخابرات دولته , و وسائل الابتزاز الاعلامي والحزبي التي يتعاون معها في بلد قدومه أو محيط تعاونه للاستخدام والاستغلال والضغط على أصحابها ( الخليجيين ) وقت الحاجة ، وهي حاجة دائمة التوقيت والاستمرار ما دام البترول في دول مجلس التعاون الخليجي نابضاً بالحياة , ويسري في شريانه الدم النقي !.

أيها الخليجيون المفرطون في الحساسية الوطنية والمعبرون عنها من خلال المنتديات الإلكترونية وبعض المقالات الصحفية.. أسرار دولكم لاتختلف - البتة - عن أسرار ((العاهر في وكر الدعارة ))! مع الاعتذار للقارئ الكريم - فهي مستباحة من الرأس حتى الكرياس..الأعداء مقربون وممكّنون من كل شئ ذي سرية وخطورة وحساسية وطنية ، يشرفون على ذلك ويتولون أمره وتدوينه وإبداء المشورة فيه بالتحوير والتفسير والتقرير والتسيير لما يخدم مصالح ومنافع دولهم القادمين منها !!.

كل ذلك يجري ويعتمد بمعرفة وموافقة ومباركة الرموز القيادية الخليجية , وبموازاته يُحيّد ويُهمّش أبناء الوطن عن الإضطلاع بشؤون بلادهم والاشراف على مفاصل الأمور فيها , وذلك لأن قادتهم لايثقون بهم كثقتهم بالأجنبي الذي بُفضّل منه فصيلة الدم ( الناعم الأبيضاني ) من الجنسين !!.
ثم بعد أن يمهر القياديون الخليجيون بتواقيعهم وبصمات إبهاماتهم على ما يعده ويقرره لهم ولبلادهم وشعوبهم (البيه) أو (الزلمة) من غيرأن يبدوا فيه رأياً أو وجهة نظر ولا حتى اطّلاع وإظهار علامات سلطة , بل و من غير سؤال استفساري يحفظ ماء الوجهه ويُظهر السائل وكأنه مهتم بأمر بلاده وشعبه , بعد أن يبصم الخليجيون على ما أعده في غير صالح بلادهم وشعوبهم مستشاروهم المستوردون من الخاريج , يتباهون بتبختر أمام عدسات التلفزة وفلاشات الإعلام الموالية للإيحاء بأنهم يحكمون ؟!
سـ20ــ12ــ2009ــفاري