بقلم صفاء ابراهيم
العلمانية تهمة خطيرة مرادفة للكفر والالحاد ومعاداة الدين عند بعض الناس وصفة انسانيةحضارية تستحق الفخروالتباهي عند البعض الاخر
العلمانية لاتعني اكثر من فصل الدين عن الدولة ومن قال لكم غير هذا فكذبوه , العلمانية تضع الدين في اطاره الطبيعي الصحيح, في المعابد وفي ضمائر من يدينون به ولا مكان ثالث , العلمانية تحترم الدين بأن تبعده عن ان يكون سلعة تباع وتشترى او وسيلة للاستجداء والتسول , تبعده عن استغلال الانتهازيين والنفعيين والوصوليين, العلمانية لا تتدخل في شؤون الدين , لا تدعمه ولا تحاربه , لا تقويه ولا تضعفه , لاتسانده ولا تناوئه , لاتنافقه ولاتشاتمه
العلمانية مرتبطة بالديمقراطية وجودا وعدما , لايمكن ان تنمو في غير المجتمعات الديمقراطية التي تؤمن بالتعددية وتحترم حقوق الانسان ولهذا فمن غير المتصور ان يجد المتدينون انفسهم ممنوعين من ممارسة طقوس اديانهم وشعائرها ما دامت ممارستهم لها لا تؤذي الاخرين
ومن جهة اخرى فان العلمانية تقدم الدولة كمؤسسة ناضجة تتولى تسيير شؤون الوطن والمواطن عبر قنواتها المختلفه , الدولة للجميع ومن اجل الجميع , لا تصطبغ بصبغة دينية او مذهبية ولا يكون فيها لاحد كلمة فوق كلمة القانون
من هنا تتضح اكثر فكرة العلمانية ومفهوم فصل الدين عن الدولة فأين التعارض؟ ليست الدولة دينا بديلا عن الدين فتنافسه وليس الدين دولة داخل الدولة فيعارضها, الدولة تحمي الدين في اطار احترامها للمعتقدات وحمايتها لمعتقديها , والدين يعزز الشعور بالمواطنة الصالحة وفي هذا قد يكون داعما لمؤسسات الدولة وانشطتها
اذن من اين تأتي فكرة التعارض هذه؟ تأتي من انصاف المتدينين ومن جهلة العلمانيين
انصاف المتدينين الذين ياخذون من الدين قشوره دون اللباب يعتبرون ان الدين والدولة مرادفان لمعنى واحد لا يمكن ان نتصور منهم غير هذا , اولئك الجهلة نجد كلمة التكفير على اطراف السنتهم , يدخلون الجنة من يشاؤون ويحرقون بالنار من يبغضون , لا يرون الحق الا فيما يعتقدون ويؤمنون به يشجعهم في ذلك ويدعمهم من يقف من وراءهم من المشايخ والمعممين الذين لا يجدون غير الدين سلعة رائجة وتجارة لن تبور
وجهلة العلمانيين الذين لا يكادون يميزون بين العلمانية والالحاد , العلمانية شيء والالحاد ورفض الاديان شيء اخر وليس بينهما قرب ولا قرابه , نعم الالحاد يتعارض صراحة مع التدين وهما على طرفي نقيض لكن العلمانية ليست الحادا مثلما هي ليست تدينا ايضا, التدين والالحاد امور روحية اعتقادية في حين ان العلمانية فكرة سياسية ووسيلة من وسائل ادارة الدولة وبالتالي لا يمكن تصور وجود التعارض بينهما من حيث المبدأ
العلمانيون الجهلة يتصورون أن العلمانية جائت لمحاربة الاديان والقضاء عليها وانها باعتبارها فكرة حديثة ستكون على نقيض مع ما جاءت به الاديان من خرافات واساطير وربما كانت العلمانية رد فعل لها
ليس الامر بما تحبون ايها السادة , تبني مبدأ فصل الدين عن الدولة الذي وجد اول ما وجد في اوربا قلص من نفوذ الكنيسة باعتبارها مؤسسة تتدخل في كل مفاصل الحياة ولكنه لم يقلل من التأثير الروحي للدين ولم يتدخل في ذلك وهذا ما يجب ان يكون لدينا ايضا
ليست العلمانية دينا جديدا ولا يجب ان تكون , من الممكن ان يكون المسلم المتدين او المسيحي الملتزم او اصحاب الديانات الاخرى علمانيين ولاتنقص علمانيتهم من ايمانهم شيئا, ومن الممكن ان يكون العلماني ملحدا ودون ان تزيد علمانيته من الحاده شيئا ايضا
من يرفض ان يتعدى تاثير الكنيسة او المسجد الى التدخل في كل صغيرة وكبيرة من شؤون الدولة يكون علمانيا حقا دون ان يغير من ذلك ما اذا امن بدين من الاديان ام لم يؤمن , ومن يضع الدين في مكانه الصحيح من حيث كونه اعتقاد قلبي لا يلزم ولا يخص ولا يعني غير صاحبه هو علماني سواء علم ذلك ام لم يعلم , ومن يؤمن بدولة القانون والمؤسسات التي تكفل الحريات العامة وتحترم حقوق الانسان وتعامل جميع مواطنيها على قدم المساواة هو علماني شاء ذلك ام ابى
هذه هي العلمانية يا مؤمنين ويا ملحدين , وسيلة لادارة الدولة
وليست دينا جديدا من الاديان